مقال بقلم د/ ياسر حسان: مدنية الدولة .. لماذا قتلت فرج فودة؟

فرج فودة
فرج فودة

 
 

شاهدت بالأمس لأول مرة في حياتي المناظرة الجدلية التاريخية في معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي حملت عنوان "مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية"، وانقسم فيها الحاضرون إلى فريقين؛ الأول إسلامي التوجه ويضم الشيخ محمد الغزالي، ومرشد الإخوان مأمون الهضيبي، والمفكر المصري محمد عمارة.. أما الفريق الثاني فضم فرج فودة والأستاذ محمد خلف الله أحد أعضاء حزب التجمع.  


وبغض النظر عن مضمون المناظرة التي حضرها ٣٠ ألفاً، لكن لا أعلم لماذا كانت تلك المناظرة سبباً في أغتيال المفكر المصري فرج فودة؟

المناظرة كانت طبيعية وغير صدامية وحتى لم تكن قوية الحجج من كلا الطرفين وتضمنت -من وجهة نظري- أخطاءً من كليهما أيضاً.

انتقلت بعدها لمراجعة ما كُتب عن التحقيقات حول الحادثة مع الشابين المتهمين بالجريمة والمنتميين إلى الجماعة الإسلامية، وبالتحقيق مع أحدهما أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى دينية بقتل المرتد، وحينما سأله المحقق: "لماذا قتلت فرج فودة؟"

أجاب: "لأنه ينشر كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد".. تابع المحقق: "هل قرأت هذه الكتب؟" فأجاب القاتل: "لا، أنا لا أقرأ ولا أكتب".

وبسؤال القاتل عن اختيار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب "لنحرق قلب أهله عليه أكثر".. من أصدر فتوى القتل؟.. الفتوى أصدرها أستاذ العقيدة محمود مزروعة، أحد الشاهدين الرئيسيين في قضية مقتل فودة، ونفذها مسلحان ينتميان إلى الجماعة الإسلامية.

هذه القصة ذكرتني بفيلم المغامرات الأمريكي Robin Hood وهو رواية شبه معاصرة لأسطورة روبن هود.. حيث يدافع اللورد روبن لوكسلي عن الفقراء في نوتنغهام من ظلم الشريف المدعوم من الكاردينال الفاسد الذي يدير الحرب كخدعة من الكنيسة، التي تمول في نفس الوقت جيش العرب لهزيمة الملك والمطالبة بالسلطة الكاملة بعد وفاته.. وقتها اقترح الشريف الظالم حرق نوتنغهام بالكامل ووافق الكاردينال الفاسد قائلا: "إن الخوف هو أعظم سلاح في ترسانة الرب، وليباركك الرب".

الغرب تخلص من سطوة رجال الدين لكن لم يتخلص من الدين.. سطوة هؤلاء أستمرت عصور، وأدخلوا أوروبا في قرون من الظلام.. وهنا في العالم العربي كثير من هؤلاء يفتون باسم الله بما حرمه الله، فيظهر جهاد النكاح وتبرير القتل من أجل إقامة دولة الدين، وقليل من الضحايا لا يهم في سبيل الوصول إلى الغاية الكبرى وهي حكم الدولة.. الدولة التي سيحكمونها هم ويقودونها هم كما حدث في إيران ودولة داعش وحتى إسرائيل هي دولة دينية في العلوم السياسية، وكلهم نماذج لدول عانت البشرية منهم.

الخوف ليس من الدين الخوف من رجال الدين، والدولة المدنية لا تعني دولة بلا دين، وكثير مما يطالبون بها متدينون.. لكن الخوف من سطوة وجود "آية الله" و"المرشد الأعلى" و"المرجع الأكبر".. الخوف من سطوة بشر مثلنا مثلهم تماماً أمام الله، لكنهم أعطوا لأنفسهم حق التحدث بلسان الله واسم الدين.. هذا ليس صراع دين بل صراع حكم وسلطة والدين منه براء.