مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: الأردن إلى أين؟

الملك عبد الله والأمير حمزة
الملك عبد الله والأمير حمزة

 
 

انتهت أزمة الأردن برسالة الأمير حمزة بعد اجتماعه بعمه الحسن الذي تدخل لرأب الصدع بين الشقيقين، لكن عندما تتابع ردود الأفعال العربية الرسمية المتسرعة، لكنها المتوقعة إذ يحمي القادة العرب أنظمتهم بطريقة تلقائية.  لكن أعتقد أن ما يجري في الأردن انعكاساً لسببين:


أولاً: الملك عبد الله هو أقدم حاكم عربي حالياً، ورغم توليه الحكم منذ ٧ فبراير ١٩٩٩ لا تشعر أن هناك جديدا في الأردن، فقد لا يكون الملك عبد الله سيئاً في طباعة، لكنه لا يملك كاريزما والده ولا قدرته السياسية في إدارة الدولة.  

وكان والده الملك حسين لاعباً رئيسيا في المنطقة وربما جعل للأردن دوراً يفوق طبيعة الجغرافيا والتكوين الغريب للدولة. الحقيقة أن الأردن وبعد ٢٠ عاماً من حكم الملك عبد الله لم تتطور أو تتغير بشكل كبير عما تركها عليها والده رغم تضاعف الناتج المحلي لأكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي عندما تولى الحكم، لكنها المشكلة الدائمة للحكام العرب فهم ينظرون للأرقام فقط وليس لانعكاس تلك الأرقام على الشعب، بالإضافة إلى أن الملك عبد الله وعلى خلاف دول الخليج لا يعطي دوراً حقيقاً لأعضاء الأسرة الحاكمة سوى بعض المهام الروتينية وجميعها لا تؤثر في القرارات السياسية أو الاقتصادية للبلاد، رغم استبعاد الملك عبد الله لأخيه حمزة من ولاية العهد خلافاً لوصية والده الملك حسين.

ثانياً: التقارب الخليجي الإسرائيلي له تبعاته على الأردن، حيث تعمل إسرائيل لإغراء السعودية بالتطبيع معها مقابل منحها دوراً في الحرم القدسي بديلاً عن الأردن، وهي فكرة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في إضعاف دور الأردن الوحيد كوصي على مجمع المسجد الأقصى، من خلال عرض هذا الدور على آل سعود. وهذه الخطوة خطيرة لأنها انتهاك واضح لمعاهدة السلام الموقعة عام 1994، وتصيب آيضاً وتراً حساساً بسبب المنافسة بين الهاشميين وآل سعود باعتبارهم الأوصياء الروحيين على المقدسات الإسلامية الثلاثة.

ومعروف أنه في أوائل القرن العشرين سيطرت العائلة الهاشمية على أقدس مسجدين إسلاميين في مكة والمدينة، إضافة إلى القدس.

وقبل قرنٍ من الزمان فقدت المملكة السيطرة على مكة والمدينة لصالح آل سعود، لذا فإن موطئ قدمها الوحيد على المواقع الإسلامية المقدَّسة هو الآن دورها الوصي على الأقصى.

في النهاية، لم تقدم الحكومة أي دليل على وجود مؤامرة خطيرة، وفي المؤتمر الصحفي لم يقدم وزير الخارجية -أيمن الصفدي- سوى كلام فضفاض، ولا يوجد ذكر لأي اعتقالات داخل الجيش أو الأجهزة الأمنية، ومن الصعب منطقياً تنظيم انقلاب بدون أسلحة وتعاون من أجهزة داخل السلطة ما فعله الأمير حمزة لم يكن انقلاباً ولا مخططاً أجنبياً.. فقط هاجم الأمير الحكومة لأنها تركت البلاد في وضع حرج من الفساد والمحسوبية وسوء الحكم حسب رأيه، وأن الحكومة في الأردن لها نفس الميول الاستبدادية المنتشرة في طول وعرض العالم العربي، وهي النقطة التي فيها لا يستطيع أحد التحدث أو التعبير عن رأي في أي شيء دون التعرض للتنمر والاعتقال والمضايقة والتهديد كما يراه الأمير حمزة.

ووصفت والدته الملكة نور الادعاءات الموجهة لابنها بأنها "افتراء شرير". وليس هناك ما يمثل تهديدًا حقيقيًا للملك، لكن إذا أراد إسكات منتقديه، فإن أفضل طريقة هي الرد على انتقاداتهم وليس إسكاتهم أو اعتقالهم، بات الأمر واضحاً أنه نزاع عائلي دراماتيكي، وهو ما يبرز الإحباط المتزايد لدى الشعب وتعصب الحكومة المتزايد تجاهه.

وأصبح أقارب الملك عبد الله أكثر صراحة في انتقادهم للحاكم العربي الأطول خدمة، وهذه ليست المرة الأولي، ففي عام 2018 وبخ الأمير حمزة الحكومة لسوء إدارة القطاع العام وفشلها في محاربة الفساد، وما يثير القلق أيضاً أن الأمير حمزة يلتقي بصفة مستمرة بزعماء العشائر أو ما من يسمون بأردنيي الضفة الشرقية، والذين يشكلون في قاعدة السلطة الرئيسية للنظام الملكي. وتسببت شعبيته في إثارة قلق الدائرة الداخلية للملك عبد الله، لا سيما عندما يتم تقاسم انتقاداته على نطاق واسع، ولا يخفي علي أحد أن الحالة الاقتصادية للأردن حالياً صعبة حتى قبل الوباء كوفيد، فلقد خسر الأردن المليارات بسبب التهرب الضريبي وموظفي الجمارك الفاسدين وأنواع أخرى من الكسب غير المشروع.

وتقلص الناتج المحلي في العام الماضي بنسبة 5٪، وبلغ معدل البطالة 25٪ في مارس الماضي.. وعندما توفي سبعة أشخاص في مدينة "السلط" وهي بلدة فقيرة قرب العاصمة بسبب نقص الأكسجين في مستشفى حكومي يعالج مرضى كوفيد -19، ورأى الكثيرون في الوفيات رمزًا لانتشار عدم الكفاءة الرسمية على نطاق واسع.

ذهب الملك عبد الله لتوبيخ القائمين علي المستشفي، وهي عادة كل الحكام العرب ينسبون النجاح كله لهم والفشل كله للحكومات التي يتم اختيارها بمعرفتهم هم أنفسهم.

الحقيقة أن الأردنيين سئموا من هذا الروتين المعتاد في إدارة البلاد، والمتابع لثرثرتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يعلم أن الأمير حمزة أعطى صوتاً لإحباطاتهم، وقد يعتقد البعض الآخر أن انتقاده كان خارج الخط، لكن الجميع متفقون على أن الاعتقالات بعثت برسالة تقشعر لها الأبدان، فإذا كان من الممكن اعتقال أحد أفراد العائلة المالكة بسبب رفع صوته، فلن يكون للمواطنين العاديين مجال للمعارضة، وإذا كان المقصود من تقييد الأمير حمزة هو إسكاته، فقد كان لذلك تأثير معاكس حتى الآن.