مقال بقلم د/ ياسر حسان: الشعوب التي لا تتعلم من تجاربها.. تفقد حريتها

الشعوب التي لا تتعلم من تجاربها.. تفقد حريتها
الشعوب التي لا تتعلم من تجاربها.. تفقد حريتها

اطلعت على المقال الرائع للصحفي والكاتب المحترم Anwar El Hawary تحت عنوان "العاقل هو من يفكر كيف يحكم وليس من يفكر كيف يعارض".

المقال هو عنوان لأزمة النخب السياسية لدينا التي أضاعت الفرصة تلو الأخرى في أن تكون مصر دولة مدنية حديثة.

 منذ فترة قليلة التقيت مجموعة من الأصدقاء الذين جمعنا معًا العمل السياسي في حزب الوفد.. بعضنا بقي في الوفد والبعض ابتعد وتجنب "العك" والبعض الآخر لا زال يمارس العمل السياسي داخل البرلمان إلى الآن.. اتفقنا جميعًا على أن النخب السياسية الحالية لم تكن فعلًا مؤهلة لإدارة البلاد بسبب الخلافات السياسية والأيديولوجية والشخصية أحيانًا.

هذا الواقع من وجهة نظري هو نصف الحقيقة فقط، النصف الثاني للحقيقة أن ضعف النخب السياسية هو العرض وليس المرض؛ لأن هناك سببين رئيسيين للحالة المصرية الصعبة حاليًا..

السبب الأول هو  أننا شعوب لا تتعلم من تجاربها ولا  تقرأ تاريخها، وتعلم الشعوب من تجاربها مهارة عظيمة تعرفها شعوب وتفتقدها أخرى. ربما يكون في هذا الطرح إجابة عن بعض التساؤلات في التاريخ السياسي مثل "لماذا لم تغزُ أفريقيا أوروبا قبل أو حتى بعد وضوح نيات أوروبا في احتلال أفريقيا؟".   الواقع أن أفريقيا لم تتعلم من تجاربها السياسية إلا متاخرة جدا، وهو السبب الذي جعلها دائمآ أرضًا سهلة للغزاة ومطمعًا للاحتلال، وعلى خلاف اأفريقيا تأتي اليابان على رأس الشعوب التي تتعلم من تاريخها السياسي.

تعلمت اليابان من هزيمة الحرب العالمية الثانية وطبقت الدروس المستفادة بعد أجيال طويلة عندما واجهت أزمة تسونامي الذي سجل أعلى نسبة من الخسائر في الممتلكات وتدمير للبنية التحتية وفي المحطات النفطية والمحطات النووية منذ الحرب العالمية الثانية. أما أكبر دروس اليابان فهو الأزمة الاقتصادية عام 1990، وقتها انهارت البورصة وفقد اليابانيون معظم ثرواتهم. حارب اليابانيون التضخم منذ هذا الوقت وأصبحت رغبة أي شركة في زيادة أسعارها أزمة مجتمعية كبيرة، لدرجة أن شركة حلويات قررت في عام 2017 رفع سعر "مصاصة" بنسبة 15% فقط بعد 25 سنة من إنتاجها، قوبل ذلك بحملة شعبية كبيرة اضطرت الشركة إلى إلغاء الزيادة والاعتذار للشعب في إعلان مصور لمجلس الإدارة وهم منحنو الرأس.

 ومنذ ثلاثين سنة وحتى الآن وجيل بعد جيل لا زال مؤشر الأسعار إما ثابتًا أو يتراجع، وحاول كل وزراء الاقتصاد ورؤساء البنوك المركزية في اليابان رفع معدلات التضخم بنسبة 2% فقط ولم يستطيعوا، حتى عندما طبقت سياسية الفائدة الصفرية ما زال يفضل اليابانيون الادخار على الاستهلاك ويحاربون أي زيادة في الأسعار أو حتى الأجور.

السبب الثاني -وهو نتيجة للسبب الأول- أن  الأنظمة الاستبدادية تستغل هذا في تمكين بقاء حكمها.. أنظمة لا تدعم الأحزاب بل أحيانا تكون سببًا في مشاكلها. أحزاب منقسمة ولا تمارس الديمقراطية حتى داخل مؤسساتها هي بالتاكيد فرصة جيدة لوجود نظام حكم شمولي.

ربما كان اليابانيون في قمة الدول التي تتعلم من تجاربها، يلحقهم الأمريكان والأوروبيون.. وربما تكون الدول العربية في ذيل القائمة تسبقها دول أمريكا اللاتينية ثم أفريقيا التي اهتدت كثيرًا من دولها إلى الطريق الصحيح للحرية، لكن المؤكد أن الشعوب العربية سوف تتعلم -إن عاجلًا آو آجلًا- من تجاربها السابقة.. حينها وحينها فقط سوف تنال حريتها حتى وإن جاءت متأخرة.