مقالات د/ ياسر حسان

البلد الأفضل هو البلد الذي دافع فيه الناس عن الديمقراطية

مقال بقلم د/ ياسر حسان: ما هي أفضل دولة في العالم لعام 2020؟

البلد الأفضل هو البلد الذي دافع فيه الناس عن الديمقراطية
البلد الأفضل هو البلد الذي دافع فيه الناس عن الديمقراطية

 
 

دأبت مجلة "الإيكونوميست" سنوياً على اختيار أفضل بلد من التطور في مؤشرات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وذلك للعلاقة الوثيقة بين الاقتصاد وبين الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وتقدم المجلة قائمة مختصرة عن أفضل الدول التي حدث فيها تحسن في تلك المؤشرات، وكالعادة تخلو القائمة من أي دولة عربية، ثم تختار المجلة إحدى الدول في تلك القائمة الصغيرة لتكون الدولة الأفضل بناءً على معايير محددة. 


في معظم السنوات تتحسن الكثير من الدول حول العالم بطرق مختلفة في مؤشرات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ومع ذلك في عام 2020 أصبحت الوفاة المبكرة والانكماش الاقتصادي الوضع الطبيعي الجديد، وتطلعت معظم الدول فقط إلى تفادي أسوأ ما في هذه الجائحة. 
مجلة "الإيكونوميست" عرضت قائمة صغيرة مختصرة تتضمن البلدان الأكثر تحسناً في تلك المؤشرات والبلدان التي تجنبت التراجع كثيرًا. نبدأ القائمة الصغيرة من نيوزيلندا، ولا يجادل الكثير بأن الحياة في نيوزيلندا كانت أفضل في عام 2020 مما كانت عليه في عام 2019؛ فقد تم احتواء الفيروس عندما تم الكشف عن 100 حالة فقط، وأغلقت رئيسة الوزراء (جاسيندا أرديرن) الحدود وأغلقت البلاد واعتبرت أن فريق عملها هو كل الشعب، وحثت هذا الفريق المكون من 5 ملايين -أي كل السكان- على أن يكونوا لطفاء مع بعضهم البعض. توفي 25 مواطناً فقط وعادت الحياة إلى طبيعتها تقريبًا. احتوت الأزمة وأنهت ملاعب الرجبي الموسم وهي ممتلئة بالجماهير، وأعيد انتخاب السيدة (أرديرن) الودودة مرة أخرى بأغلبية كبيرة في بلد يكاد لا يسمع عنه الكثير. 
لننتقل من نيوزيلندا إلى تايوان، لقد كان أداء تايوان أفضل من نظيرتها نيوزيلندا في احتواء الجائحة، حيث سجلت سبع وفيات فقط وأداءً اقتصادياً أقوى بكثير، ورغم الخلاف حول ما إذا كانت تايوان دولة أم مجرد منافس للصين على إقليم يتمتع بالحكم الذاتي بحكم الواقع، فقد أبقت تايوان الفيروس في مأزق دون أن تغلق المدارس والمتاجر والمطاعم، ناهيك أنها لم تفرض الإغلاق التام. اقتصادها هو أحد الاقتصادات القليلة المتوقع نموها في عام 2020، كما أظهرت شجاعة ورفضت التراجع على الرغم من التهديدات المستمرة من بكين؛ حيث تصر الحكومة الصينية في كثير من الأحيان على أنه يجب إعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي لها. 
ودأبت الصين على إرسال سفن حربية وطائرات مقاتلة إلى الجزيرة في الفترة الماضية من أجل إرهابها، لكن في يناير الماضي رفض الناخبون التايوانيون مرشحًا رئاسيًا كان يفضل إقامة علاقات أكثر دفئًا مع الصين وأعادت انتخاب (تساي إنغ ون) المناهض للصين، والتي كانت حكومته تأوي نشطاء الديمقراطية من هونغ كونغ المناهضين للصين. 
تايوان هي تذكير دائم بأن الثقافة الصينية الحالية ليست متوافقة نهائياً مع الديمقراطية الليبرالية، ورغم ذلك تقف تايوان بإباء في مواجهة التنين الصيني الكبير، ورغم ذلك ترى مجلة "الإيكونوميست" أنه رغم هذه الإنجازات الرائعة فإن الوباء لم ينته بعد، والحكم على بلد ما على أساس سجله في مكافحة الفيروسات -على أساس أنه شكل من أشكال الحكم الرشيد- تعتبر نظرة قاصرة، خاصة عندما تجعل ظروف الجغرافيا والجينات المقارنة صعبة، فكون تايوان جزيرة يساعد كثيراً في احتواء الفيروس، عدا عن احتمال أن يكون لدى بعض السكان مناعة ضد فيروسات كورونا. 
إذا انتقلنا الي النصف الغربي من الأرض وتحديداً إلى الدولة الأكبر في العالم حالياً، فقد كان أداء الولايات المتحدة سيئًا تقريبًا في استجابتها لـcovid-19، مثل معظم الدول الغربية كبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا، لكن سرعة الاستجابة لخطورة الجائحة كانت أساسية للتوصل إلى لقاح في وقت قياسي. 
على الجانب الآخر ترى مجلة "الإيكونوميست" أن رفض الناخبين الأمريكيين إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب -في تشرين الثاني (نوفمبر)- كان أمراً مثيراً، فقد بذل الناخبون الأمريكيون الكثير للحد من انتشار -الشعبوية- وهي كارثة عالمية أخرى من وجهة نظر المجلة العريقة، كما كانت أيضاً جهود ترامب لقلب إرادة الناخبين غير مسبوقة بالنسبة لرئيس أمريكي في التاريخ، لكن القضاة الذين عينهم ترامب نفسه كانوا موالين للقانون وليس للرجل الذي اختارهم. 
وفي أمريكا اللاتينية بوليفيا كانت حاضرة بقوة في القائمة المختصرة، فقد استعاد الناخبون في بوليفيا أيضًا قدرًا كبيراً من الحياة الطبيعية؛ فبعد الانتخابات المشوبة بالتزوير والإطاحة بالرئيس الاشتراكي والاحتجاجات العنيفة والحكم الانتقامي غير الكفء من رئيس مؤقت للبلاد، أجرت الدولة الواقعة في جبال الأنديز اقتراعًا سلميًا في أكتوبر/ تشرين الأول واختارت رئيساً تكنوقراطياً هو (لويس آرس)، ورغم كل هذه الإنجازات الكبيرة لدول من مختلف قارات العالم -ليس من بينها دولة عربية واحدة- اختارت مجلة "الإيكونوميست" أن تذهب جائزة هذا العام إلى بلد في جنوب قارة إفريقيا.. ففي حين أن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان قد تراجعت في 80 دولة حول العالم بين بداية الوباء وحتى أيلول/ سبتمبر هذا العام -بحسب مؤسسة فريدوم هاوس- فإن المكان الوحيد الذي تحسنت فيه الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كان دولة (مالاوي).
ولنراجع قليلاً التاريخ الصعب الذي عانته مالاوي خلال السنوات القليلة السابقة، وكيف تحولت من قاع الاستبدادية إلى قمة الديمقراطية.. في عام 2012 توفي رئيس ملاوي وتم التستر على وفاته ونُقلت جثته جواً إلى جنوب إفريقيا "لتلقي العلاج الطبي" رغم وفاته فعلاً من أجل كسب الوقت حتى يتمكن شقيقه من تولي زمام الأمور. 
فشل ذلك الأخ (بيتر موثاريكا) في الاستيلاء على السلطة في ذلك الوقت، لكنه انتُخب بعد ذلك بعامين وخاض الانتخابات مرة أخرى وفاز بالتزوير في فرز الأصوات عن طريق استخدام سائل تصحيح على كشوف الفرز. 
ووافق المراقبون الأجانب باستخفاف على هذا التزوير الفج، وشن الملاويون احتجاجات حاشدة ضد "انتخابات" ورفض قضاة مالاوي حقائب الرشوة التي قدمت لهم وألغوا نتائج الانتخابات.
وتمت إعادة الانتخابات في يونيو (حزيران) الماضي بطريقة نزيهة وعادلة، أدت إلى طرد موثاريكا وتثبيت خيار الشعب وهو (لازاروس شاكويرا). 
لا تزال مالاوي فقيرة، لكن شعبها أحرار وليسوا رعايا.. أعاد إحياء الديمقراطية في واحدة من أكثر مناطق العالم استبدادية.. لذلك اختارتها مجلة "الإيكونوميست" وبالتأكيد سوف يختارها كل حر يؤمن بالديمقراطية كأفضل بلد لهذا العام.