تقرير من إعداد د/ ياسر حسان: فكرة المجمع الانتخابي في أمريكا بين السياسية والتاريخ

تقرير من إعداد د/ ياسر حسان
تقرير من إعداد د/ ياسر حسان

وسط استفسار البعض عن المجمع الانتخابي في الولايات المتحدة وما بها من صعوبة في فهمها.. فلفهم فكرة المجمع الانتخابي في أمريكا يجب أن نراجع قليلاً من السياسية وكثيراً من التاريخ. 


الجانب السياسي

لنبدأ الحديث عن الجانب السياسي من الموضوع، في البداية لابد أن نؤكد أن الولايات المتحدة ليست دولة بسيطة التكوين مثل مصر أو فرنسا أو معظم دول العالم لكنها دولة فيدرالية تتكون من مجموعة من الولايات المستقلة التي قررت أن تتحد فيما بينها مع بقاء جزء من الحرية التشريعية لكل ولاية، ورغم أن دستور الولايات المتحدة يحدد معايير لانتخاب المسؤولين الفيدراليين على مستوى الدولة، فإن قانون الولاية وليس القانون الفيدرالي هو الذي ينظم معظم جوانب الانتخابات في الولايات المتحدة، بما في ذلك الانتخابات التمهيدية للحزبين، وانتخاب حاكم كل ولاية، وطرق اختيار الهيئة الناخبة في المجمع الانتخابي للرئاسة، وكل ولاية تحدد منفردة -طبقاً لقانونها- من يحق له الانتخاب ومن لا يحق له ذلك (بما لا يخالف الدستور الأساسي للدولة).
ببساطة تدار جميع الانتخابات سواء الفيدرالية أو على مستوي الولايات أو المقاطعات تحت إشراف كل ولاية على حدة؛ بمعني أنه يتم انتخاب جميع أعضاء الهيئة التشريعية الفيدرالية (الكونجرس) مباشرة من قبل شعب كل ولاية.
وهناك العديد من المناصب المنتخبة على مستوى كل ولاية، ولكل ولاية على الأقل حاكم منتخب ومجلس تشريعي منتخب، وهناك أيضًا مكاتب منتخبة على المستوى المحلي في المقاطعات والمدن والبلدات والأحياء والقرى، وكذلك بالنسبة للمقاطعات الخاصة والمناطق التعليمية التي قد تتجاوز حدود المقاطعات والبلديات. 
ووفقًا لدراسة أجرتها العالمة السياسية جينيفر لوليس، هناك 519682 مسئولًا منتخبًا في الولايات المتحدة اعتبارًا من عام 2012، وهو رقم كبير يؤكد متانة الديمقراطية الامريكية وعراقتها وصعوبة ميلها لصالح حزب أو شخص بعينه.

 الجانب التاريخي

ننتقل الآن إلى الجانب التاريخي لفكرة المجمع الانتخابي والمفاجأة التي لا يعلمها الكثير أن ورقة التصويت لانتخابات الرئاسة الاأمريكية خالية من أسماء (ترامب أو بايدن). 
الناخبون يختارون لا يختارون أياً من الاثنين لكن يختارون بين قوائم أسماء يمثلونهم في المجمع الانتخابي، وكل قائمة بالطبع معروف لمن سيكون دعمها لاختيار الرئيس، وإذا فازت قائمة بأكثر من 50٪ من عدد الأصوات تنجح بالكامل ويذهب كل ممثلي القائمة الناجحة إلى المجمع الانتخابي باستثناء ولايتين فقط هما (مين ونبراسكا) حيث يتم تقسيم أصوات المجمع الانتخابي بحسب نسبة الأصوات التي تحصّلت عليها كل قائمة مرشح.. 

والفكرة في الأساس تعود إلى وقت تأسيس الولايات المتحدة من حوالي 240 سنة؛ حيث كان من الصعب إجراء انتخابات على مستوى الولايات المتشعبة والبعيدة في وقت واحد مع فقر الإمكانيات في ذلك الزمن، فتقرر أن تجرى الانتخابات على مرحلتين.. المرحلة الأولى ينتخب شعب كل ولاية ممثلين لهم للسفر إلى واشنطن العاصمة لاختيار الرئيس، ويتم تحديد عدد الممثلين لكل ولاية طبقاً لعدد نواب كل ولاية في مجلس النواب الفيدرالي والذي يتناسب مع عدد سكان الولاية، ولهذا يختلف عدد الممثلين لكل ولاية من واحدة لأخرى، والمرحلة الثانية حين يسافر كل هولاء ليجتمعوا بعد شهر تقريباً من أإجراء الانتخابات وتحديداً يوم 14ديسمبر، حتى يتسنى لممثلي الولايات البعيدة السفر إلى واشنطن لاختيار الرئيس من بين المرشحين في اقتراع سري يجري في الكونجرس.. 

 

ومع تقدم الزمن وسهولة السفر الآن حافظ الدستور الأمريكي علي فكرة المجمع الانتخابي وتغير عدد ممثلي كل ولاية مع تغير تعداد السكان، ومنذ عام 1964 يتكون المجمع من 538 ممثلاً للشعب والذين يقومون رسميا باختيار الرئيس ونائبه موزعين على 50 ولاية أمريكية. 

حالياً تمتلك ولاية كاليفورنيا أكبر عدد من أعضاء المجمع الانتخابي وعددهم 55 عضوا، وهي تصوت للديمقراطيين منذ زمن طويل. ومن يحصل على 270 صوتا في المجمع الانتخابي يصبح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حتى إذا كان عدد أصوات الناخبين التي حصل عليها على مستوى الدولة أقل من عدد الأصوات التي حصل عليها منافسه.

السؤال الجوهري هنا.. هل يمكن أن يخسر مرشح حتى وإن فاز بأصوات المجمع الانتخابي؟ 

الإجابة "نعم" لأنه يمكن لعضو المجمع الانتخابي أن يصوت لمرشح رئاسي غير الذي فازت قائمته بأغلبية أصوات الولاية، لكنه يوصف في هذه الحالة بـ "الخائن" لأنه خالف توجه القائمة. وفي حالة إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية تصبح عملية اختيار الرئيس مسؤولية مجلس النواب، ولم يحدث ذلك إلا مرة واحدة عام 1824.
قد تكون الانتخابات الأمريكية معقدة بسبب مساحتها الشاسعة وتكوينها الفيدرالي، وأيضاً بسب تمتع كل ولاية بمساحة من الحرية تجعل من الصعب أن يتحكم أي رئيس في توجيه الانتخابات لصالحة.. إنها ديمقراطية عتيدة أوصلت هذا البلد الحديث النشأة إلى أن تكون أكبر دول العالم اقتصادياً وأقوها عسكرياً.