مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: هل يبقي الدولار الأمريكي العملة الأقوى حتى لو تخطى الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي؟

 

بينما يتوقع نصف الاقتصاديين أن الوقت الذي يتفوق فيه الاقتصاد الصيني على نظيره الأمريكي بات قريبًا، يتوقع النصف الآخر أن هذا الوقت سوف يتأخر كثيرا أو قد لا يأتي أبدًا.


الذين يتوقعون تفوق الصين يهملون في الحقيقة مجموعة الصعوبات التي تواجه الصين، بل ويتجنبون الإشارة إلى أن بعض هذه المعوقات من صنع المارد الآسيوي نفسه، ويستند من يدافعون عن أن تفوق الصين بات قريبًا على أن عدد سكان الصين أكبر بأربعة أضعاف من عدد سكان أمريكا، وبالتالي يمكن أن يتجاوز اقتصادها اقتصاد أمريكا من حيث الحجم.

الواقع أنه يجب أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين إلى فقط ربع الناتج المحلي الإجمالي للفرد في أمريكا ليصبح الناتج المحلي الإجمالي للصين هو الأكبر في العالم.. وبحسب مقياس "تعادل القوة الشرائية"، فقد حققت الصين بالفعل هذا الإنجاز المتواضع؛ حيث تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي نظيره الأمريكي في عام 2016 عندما تمت معادلته إلى الدولار في "تعادل القوة الشرائية"، وهي طريقة تحاول مقارنة السلع والخدمات في كل بلد باستخدام نفس الأسعار الدولية.   لكن الناتج المحلي الإجمالي الأسمي للصين لا يزال متخلفًا عن نظيره الأمريكي عندما يتم تحويله إلى الدولار باستخدام أسعار الصرف الأكثر شيوعًا السائدة في أسواق العملات.. وصلت إلى 17.7 تريليون دولار في عام 2021 مقارنة بـ 23 تريليون دولار في أمريكا في نفس العام.   وجهة نظري أن الاقتصاد الصيني يحتاج قبل أن يضاهي الاقتصاد الأمريكي من حيث حجم الناتج المحلي إلى أن يضاهيه في حجم التطور للأسباب التالية:

1- أعاق فيروس كوفيد نمو الصين أكثر مما أعاق أي اقتصاد آخر بسبب السياسة التي تستجيب لكل تفشٍّ للفيروس بإغلاق شديد، وعدم الاعتماد منذ البداية على اللقاحات الأمريكية الأكثر موثوقية علميًا.

2- الركود العقاري المتفشي نتيجة سياسات خاطئة اقتصاديًا.

3- الفساد المستشري في الشركات المملوكة للدولة والتي لم يتم إصلاحها.

4- الحرب التكنولوجية المستمرة مع أمريكا المنفتحة إلى دعم هذه الصناعة في مقابل التضييق الحكومي الصارم في الصين ضد هذه القطاعات المزدهرة في السابق.. والتي أدت إلى كبت الرغبة في الاستثمار في هذه المجالات.

5– في عام 2021 نما الاقتصاد الصيني بنسبة رائعة بلغت 8.1٪، لكن الصين سوف تكون محظوظة لو حققت معدل نمو يبلغ 3٪ هذا العام.

6- على المدى الطويل سوف تتسبب شيخوخة السكان في الصين إلى مزيد من الصعوبات. ويتوقع أن تتقلص القوة العاملة بنسبة 15٪ على مدار الخمسة عشر عامًا القادمة.. وفقًا لبعض التقديرات يعتقد أن الناتج المحلي الإجمالي للصين قد يقترب من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا أو حتى يتجاوزه بحلول منتصف العقد القادم، ثم يتراجع مرة أخرى بسبب التراجع الديموغرافي للصين.

الحقيقة أن اقتصاد الدول له دوره حياة، وهو في هذا يتشابه مع اقتصاد الشركات.. تحتاج الشركات الي نقلة تكنولوجية لاستمرارها وإنشاء دورة حياة جديدة لها، مثلما حدث عندما اخترعت أبل الهاتف الذكي لتنهي حياة موتورولا بهواتفها التقليدية. أمريكا تعمل الآن على إنشاء دورة حياة جديدة لها في مجالات متعددة تضيف لاقتصادها قوة متزايدة ومعدلات نمو عالية، أبرزها:

1- التفوق الأمريكي حاليًا في عالم الفضاء.

2- تكنولوجيا الميتافيرس الذي يتوقع أن يتجاوز حجمه عالميًا خلال عام 2030 ما قيمته 824 مليار دولار، ومعظمها سوف يدخل إلى الاقتصاد الأمريكي المتفوق في  مجالات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز وغيرها من الصناعات المرتبطة بالميتافيرس الأمريكي الصنع في الآصل.

3- استعادة أمريكا تفوقها في مجال الإنترنت، والاستثمار الضخم في صناعة أشباه الموصلات.

4- ما زالت الولايات المتحدة -والغرب عموما- متفوقة جدًا في الصناعات الطبية ومكافحة الأوبئة، وهي أحد المخاطر التي تواجهها الشعوب في المستقبل.

أخيرا من المرجح أن يبقي الدولار الأمريكي العملة الأقوى.. ويبقى نقطتان هامتان؛ أولهما التفوق العسكري الأمريكي الذي سوف يبقي لمدة أطول حتى لو  تخطى الاقتصاد الصيني نظيره الأمريكي، وثانيهما أن الدولار يمتلك أكبر احتياطي ذهب في العالم -كما يوضح الجراف- وهو ما يعني أن هيمنة الدولار الأمريكي قد تكون أطول عمرًا من هيمنة الاقتصاد الأمريكي نفسه.