مقال بقم د/ ياسر حسان: اللهو الخفي في أزمة سد النهضة

 
 

ربما يكون "آبي أحمد" هو العدو الأول للمصريين الآن بسبب تعنته ضد مصر في أزمة سد النهضة، لكن قليلاً من المصريين من يلقي باله إلى شخصية أخري تلعب دوراً سيئاً في أزمة سد النهضة.. إنه رئيس إريتريا "أسياس أفورقي"، أنا شخصياً لم أكن أعلم عن هذا الرجل ودوره الحالي إلا القليل حتى قرأت بالمصادفة مقالاً عن الرجل في جريدة نيويورك تايمز، فأخذت أبحث هنا وهناك عن تاريخ وسياسات هذا الرجل. والنتيجة لم تخرج عن كونه ديكتاتوراً آخر ينضم إلى قائمة الأنظمة الشمولية التي بدأت تختفي رويداً في القارة السمراء.


أهمية هذا الرجل حالياً هو في تأثيره القوي على رئيس الوزراء الأثيوبي "آبي أحمد". يعمل أسياس أفورقي الآن على تأجيج الحرب وتقويض الديمقراطية في جميع أنحاء القرن الأفريقي. يصنف آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا على أنه شاب يتمتع بشخصية كاريزمية، ويدعي أنه ملتزم بالديمقراطية في ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان. كان محبوبًا في العالم، وفي عام 2019 حصل على جائزة نوبل للسلام لإنهائه حربه مع إريتريا. حتى اندلعت الحرب في تيغراي، ليصبح الآن ملطخاً بالدماء إلى جانب رئيس إريتريا "أسياس أفورقي"، الديكتاتور العجوز الذي يحبس المعارضين في صناديق الشحن في الصحراء.

عندما التقى الاثنان للتوقيع على اتفاق سلام في عام 2018 -وللأسف لعبت مصر دوراً محورياً في هذه المصالحة- كان كثيرون يأملون في أن تؤدي المصالحة بينهما إلى إعادة تشكيل المنطقة. كان آبي أحمد يحرر إثيوبيا ويطلق سراح السجناء السياسيين ويحرر الصحافة، وكان يعتقد وقتها أن أسياس قد يتعلم من صديقه الجديد لكن الواقع كان مختلفاً، ويبدو أن أسياس هو الذي أثر في آبي وليس العكس. بتشجيع من أسياس وبدعم عسكري إريتري، أرسل آبي أحمد قوات إلى تيغراي لما كان يأمل أن تكون عملية سريعة "لإنفاذ القانون" ضد الحزب الحاكم المتمرد ضده هناك، ومنذ ذلك الوقت تحول القتال إلى مأزق دموي. تقوم القوات الإريترية التي ترافقها أحيانًا قوات الحكومة الإثيوبية وميليشياتها بسحب الرجال العزل من منازلهم أو كنائسهم أو حافلاتهم وإطلاق النار عليهم. يقوم الجنود بشكل ممنهج باغتصاب النساء التيغرايين وقاموا بعرقلة قوافل الغذاء ومنع المزارعين من زراعة المحاصيل.

تتكون السياسة الخارجية لأسياس حسب "الفورن بوليسي" من ثلاثة محاور رئيسية.. الأول: هو اعتقاده أن القرن الأفريقي هو حفرة دب حيث لا يوجد أصدقاء دائمون. ثانيًا: استخدام القوة أمر مشروع دائمًا. ثالثًا: حتى دولة صغيرة وفقيرة مثل إريتريا يمكنها بقسوة ومكر أن تضرب فوق وزنها بكثير، كمثال كوريا الشمالية.

الفائز الوحيد الآن من كل هذه الخلافات هو أسياس.. قواته التي قُتلت بعشرات الآلاف في حربهم الحدودية الفاشلة مع إثيوبيا، موجودة الآن في عمق أراضي جيرانهم، وهو مكسب عسكري هام له، والآن يحشدون قواتهم على طول أجزاء من الحدود الإثيوبية مع السودان مهددين بإشعال نزاع منفصل بين هذين البلدين.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن أسياس يبدو أنه يحاول تصدير نموذجه للحكم الاستبدادي. ويقال إنه حرض على الاستيلاء على السلطة من قبل محمد عبد الله محمد رئيس الصومال، الذي ظل في منصبه على الرغم من انتهاء فترة ولايته في فبراير الماضي. ولدعم رجله في مقديشو قام أسياس بتدريب حرس خاص موالٍ لمحمد عبد الله.

الحكومات الغربية أستيقظت متأخرة على تلك الفظائع في تيغراي، وألغى الاتحاد الأوروبي في أبريل الماضي 100 مليون يورو من المساعدات التي كانت ستذهب إلى إريتريا وفرضت في مارس عقوبات مالية على وكالة المخابرات الإريترية.

بالنسبة لمصر وفي ظل أهمية صراع إقليم تيغراي حيث يقام سد النهضة باعتبار أنها ورقة ضغط مهمة لمصر والسودان ضد إثيوبيا، يبرز الدور القذر والوساطات المتحيزة التي يلعبها "أسياس أفورقي" وميلشياته في قمع سكان الأقليم، وفي دعم حكومة "أبي أحمد" حيث يواجه أول اختبار انتخابي كبير في الانتخابات العامة الإثيوبية المشكوك في نزاهتها والمقررة في 21 يونيو الحالي.