مقال بقلم د/ ياسر حسان: هل تكون "صفعة ماكرون" بداية لانقلاب عسكري في فرنسا؟

هل تكون صفعة ماكرون بداية لانقلاب عسكري في فرنسا
هل تكون صفعة ماكرون بداية لانقلاب عسكري في فرنسا

بالنظر إلى حادثة الاعتداء على "ماكرون" من الزاوية السياسية فقد لا تكون الأولى لمسئول غربي ولن تكون الأخيرة، لكن بالنظر للحادثة من زاوية انتخابية فالحادثة لها مدلولات خطيرة جداً.. ليس فقط لأن الشاب ينتمي الي اليمين المتطرف في فرنسا، بل لأن أحداث أخرى سبقت هذا الاعتداء تنبأت بتغيرات خطيرة في السياسية الداخلية لفرنسا وربما العالم.

في شهر أبريل الماضي كتب عدد من الجنرالات العسكريين السابقين رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" يفيدون فيها أنه ما لم يتم فعل شيء فيما يتعلق بمخاوفهم من الإسلام الراديكالي والهجرة الغير شرعية، فإنهم سيفرضون نفسهم بالقوة من أجل السيطرة على الدولة.

العسكريون السابقون: ما لم يتم فعل شيء فيما يتعلق بمخاوفهم من الإسلام الراديكالي والهجرة الغير شرعية، فإنهم سيفرضون نفسهم بالقوة من أجل السيطرة على الدولة

رسالة انقلاب خطيرة وواضحة، لكن لكي ينجر خيال قرائنا العرب إلى أن انقلاباً عسكرياً على طريقة الشرق الأوسط بات وشيكاً، فالدول المتقدمة لا تعرف مثل هذه الانقلابات رغم قوتها العسكرية. المقصود هنا انقلابًا سياسياً، بحيث يمكن لتحالف غير متوقع بين الجنرالات السابقين واليمين المتطرف في فرنسا أن يُحدث مفاجأة كبيرة على الرئيس إيمانويل ماكرون والنظام السياسي الفرنسي في انتخابات عام 2022 القادمة.

أي شخص لديه معرفة جيدة بالتاريخ الفرنسي في القرن العشرين سيقدر أن فرنسا لم تكن دومًا دولة ديمقراطية عندما يتعلق الأمر بسكان المستعمرات القديمة، رغم أن الغالبية العظمى من المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال وغرب إفريقيا.. تونس والمغرب والجزائر والسنغال وبنين ومالي وساحل العاج والنيجر وتوجو، وهي دول ذات أغلبية مسلمة لعب مواطنوها دوراً كبيرًا في تحرير فرنسا من نيران الاشتراكية الوطنية خلال الحرب العالمية الثانية.

كانت الجزائر بالنسبة لفرنسا كما كانت الهند بالنسبة لبريطانيا -مستعمرة استيطانية استراتيجية للغاية- انتقل إليها عدد كبير من المواطنين الفرنسيين. وُلد علي أرض الجزائر الكاتب الوجودي ألبير كامو والفيلسوف التفكيكي جاك دريدا. تمتع السكان الأوروبيون المعروفون باسم "بيد نوير" بمكانة خاصة على حساب السكان المحليين. بمجرد أن بدأ السكان المسلمون بالمطالبة بمزيد من الحقوق السياسية سارت الأمور بشكل مختلف، وبدأت حرب الاستقلال التي استمرت من 1954 إلى 1962 من خلال المطالبة بالحكم الذاتي.

الفظائع التي ارتكبها الجيش الفرنسي كثيرة حيث قتل مئات الآلاف من الجزائريين في الحرب، أدى هذا إلى عدم استقرار سياسي كبير في فرنسا، كانت نتائجه عودة شارل ديجول وحل الجمهورية الرابعة وتنصيب الجمهورية الخامسة. وقتها كان قد توفي معظم الجنرالات القدامى الذين كانت لديهم غرائز يمينية متطرفة في معارضة منح الاستقلال للجزائر في ذلك الوقت.. ومن هنا جاءت محاولة الانقلاب قبل 60 عامًا.

بعد إنهاء الاستعمار واستقلال الجزائر، هاجر عدد من هؤلاء الرعايا السابقين وجعلوا من فرنسا موطنًا جديداً لهم، حيث يشكل أحفادهم اليوم حوالي خمسة ملايين مسلم، وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء المهاجرين الأفارقة يعيشون في ضواحي ومساكن عامة، عادة ما تكون متدهورة مع أمل ضئيل للغاية في التقدم الاجتماعي، وفي مجتمع معادي بشدة للمسلمين، لا ينبغي أن يكون مفاجأة أن يكون هذا العدد الصغير جدًا من الشباب الجزائريين الفرنسيين قد اعتنقوا الإسلام الأصولي.

وعلى خلفية عدد من الحوادث التي تورط فيها رجال فرنسيون من أصل جزائري على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، مثل الهجمات على رسام الكاريكاتير شارلي إيبدو، ورسم كاريكاتير للنبي محمد وقطع رأس مدرس في المدرسة مؤخرًا.. كل هذا يجعلنا نثير تساؤلاً هاماً.. إلى أين يسير الجنرالات وحلفاؤهم من اليمين المتطرف بالديمقراطية الفرنسية؟.

إلى أين يسير الجنرالات وحلفاؤهم من اليمين المتطرف بالديمقراطية الفرنسية؟

اختار هؤلاء الجنرالات أن ينقلبوا سياسياً على الوضع الراهن، وذلك عبر تهديد واضح في منشور يميني متطرف، يمكن أن يكون هذا التهديد بداية لدعم قادة الجيش لرئيسة الجبهة الوطنية "مارين لوبان" المعروفة بخطابها العدائي للهجرة والمسلمين. من المناسب وهنا يجب التذكير أن والدها خدم في القوات المسلحة الفرنسية، وكان أيضًا إلى جانب الجنرالات الذين حاولوا الإطاحة بحكومة ديجول.

في انتخابات عامي 2002 و 2017 الرئاسية الفرنسية وصل كل من "جان ماري" و"مارين لوبان" على التوالي إلى جولة الإعادة النهائية، وحصلا على عشرات الملايين من الأصوات ضد المرشحين الرئيسيين مثل "جاك شيراك" والرئيس الحالي للدولة "إيمانويل ماكرون"، لكن اليمين المتطرف والجنرالات السابقين الساخطين ليسوا مصدر قلق إيمانويل ماكرون الوحيد قبل انتخابات عام 2022. فقد برزت الآن خلال فترة حكمه المجموعة المعروفة باسم “جيليت جان” أو “السترات الصفراء” باللغة الإنجليزية، هذه المجموعة أصبحت لاعباً رئيسياً في السياسية الفرنسية، واستحوذت على اهتمام جزء ليس بالقليل من الشعب الفرنسي؛ لأنهم تجنبوا الأشكال التقليدية لقيادة حركتهم، واختاروا نهجًا غير رسمي بدرجة كبيرة. وفي وقت قصير جدًا بنت مجموعات "السترات الصفراء" قاعدة قوة قوية هزت فرنسا والفئة الناخبة فيها.

المجموعة المعروفة باسم السترات الصفراء هذه المجموعة أصبحت لاعباً رئيسياً في السياسية الفرنسية

الحقيقة الصعبة أنه يمكن للتهديد الثلاثي الحالي من السترات الصفراء واليمين المتطرف والجنرالات القدامى أن يطيح بالنظام الحالي في فرنسا؛ لذلك ينبغي مراقبة وبحذر كيف ستنتهي الأمور في فرنسا العام المقبل، لأنها ستكون رسالة قوية للغاية إلى بقية العالم.

قد يقول البعض، انقلاب عسكري، في هذا اليوم وهذا العصر وفي أحد اقتصاديات العالم المتقدمة. هذه الأمور خارجة عن عوالم الاحتمالات ومنافية للعقل، لكن هذا غير حقيقي، فأحداث السادس من يناير 2021 عندما اقتحم المتظاهرون اليمينيون المتطرفون مبني الكابيتول في أمريكا ليست ببعيدة.