مقال بقلم الدكتور ياسر حسان: ما حقيقة أن مصر سوف تكون سابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2030؟

الدكتور ياسر حسان اقتصادي وقيادي بحزب الوفد المصري
الدكتور ياسر حسان اقتصادي وقيادي بحزب الوفد المصري

 

أثار تقرير أصدرته (ستاندرد تشارترد) جدلًا واسعاً بين خبراء الاقتصاد حول العالم بما فيها بريطانيا، المقر الرئيسي للمؤسسة المالية العملاقة، وفي مصر انتشر الخبر بسرعة بسبب نشر "الجراف" الذي نشره التقرير ويضع مصر كسابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام ٢٠٣٠، اكتفى كل من قرأ الخبر بمشاركة الجراف على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يقرأ تفاصيل التقرير نفسه أو يبحث عن معطيات هذه النتائج وحقيقتها.


 التقرير نشر موضع مراجعة من عدد كبير من خبراء الاقتصاد، فالتقرير يضع الصين والهند علي رأس القائمة، بينما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة، ويُخرج التقرير بريطانيا وفرنسا من قائمة العشر الكبار ويضيف دول إندونيسيا ومصر وتركيا للقائمة، بل ويضعهم في ترتيب متقدم على أقطاب الصناعة والتكنولوجيا في العالم مثل اليابان وألمانيا. 

لكن ما مدى صحة هذه التوقعات؟ ما هي الافتراضات التي تستند إليها؟ وما هي الأهمية الحقيقية لأي منها؟ 

الإجابة على هذه الأسئلة تبدأ من نص التقرير نفسه وهو أن هذه الدول "قد تكون" الأكبر، وليس من المؤكد، لأنه تقرير افتراضي يستند لتوقعات -بالطبع هذه التوقعات تستند إلى أساس علمي لكنها تهمل عوامل أخرى منها عوامل جيوسياسية، واخري اجتماعية بل وحتي اقتصادية، كما يفترض التقرير أن هذه الدول سوف تحتفظ بمعدلات نمو مرتفعة ومستقرة لفترة طويلة، ويفترض أيضاً أستفادة كل هذه الدول من كل الموارد المتاحة لديها بالشكل الأمثل، ويفترض ثالثاً أن الطبقة الوسطى المحرك الرئيسي للاقتصاد سوف تستمر في النمو، وهي الطبقة التي تتوقع (ستاندرد تشارترد) أن تضم غالبية سكان العالم بحلول عام 2020.

لكن الواقع لا يسير دائماً في هذا الاتجاه، مصر على سبيل المثال يتوقع لها البنك الدولي أن تنمو بنسبة 5.6٪ هذا العام، مما يجعلها أسرع اقتصاد نمواً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن على الجانب الآخر فإن الافتراض بأن مسار النمو ومعدلاته سوف يستمر دون انقطاع للبلدان النامية هو أمر مشكوك فيه. 

فمصر على سبيل المثال هي إحدى ثلاث دول -بجانب نيجيريا والمكسيك- تحدث عنهم عالم الاقتصاد المتخصص في الأسواق النامية "فيليب كاتيورا" عن سوء إدارة مواردهم الطبيعية، هذا عدا عن تآكل الطبقة المتوسطة بسبب موجات التضخم المرتفعة وهي إحدى الركائز التي يستند إليها تقرير ستاندرد تشارترد.

كما أن مصر تأتي في الترتيب رقم (١٢٧) على مستوى العالم في مؤشر الديمقراطية التي تصدره سنوياً مجلة "الإيكونوميست"، وفي مؤشر التنافسية تأتي مصر في المرتبة (١٠٠)، أما في مؤشر الحرية الاقتصادية فتأتي مصر في الترتيب (١٤٤) على العالم وهو ترتيب متأخر مقارنة بدول مثل إندونيسيا وتركيا والمكسيك، وهي الدول التي يشير التقرير إلى انضمامها بجانب مصر إلى قائمة العشر الكبار.

وما لا يجب إغفاله أن النمو الاقتصادي يعمل كوحدة واحدة، ونجاح دولة ما في عدة مؤشرات اقتصادية لا يضمن لها النجاح المستدام إذا سقطت في عدة مؤشرات أخرى؛ لذلك فإن توقع الأزمات السياسية والاجتماعية في الدول النامية هو أمر لا مفر منه. 

قبل بضع سنوات، كان العديد من خبراء الاقتصاد يتوقعون نمواً سريعاً في البرازيل، ولكن بدلاً من ذلك سقطت البلاد في ركود وحشي، ولا يستطيع أحد أن يستبعد حدوث مثل هذه الأزمات في الصين أو الهند أو أي دولة نامية أخرى. 

كما أن صندوق النقد الدولي لا يصدر توقعات اقتصادية لأبعد من خمس سنوات، وحتى هذا التاريخ (٢٠٢٣) فإن مصر خارج قائمة العشر الكبار، ويعتقد الصندوق أيضاً أن الولايات المتحدة ستظل أكبر اقتصاد في العالم بأسعار الصرف في السوق وبفارق عن الصين، وأن المملكة المتحدة ستظل تتمتع بفرصة جيدة متفوقة على دول مثل إندونيسيا وتركيا والبرازيل مع توقع لفرص أقل لروسيا. 

والغريب أن هناك تقريراً أخر صادر عن (برايز ووتر هاوس) وهي ثاني أكبر مؤسسة في العالم للخدمات المالية والاقتصادية حول ترتيب الاقتصاديات الكبرى بحلول عام (٢٠٥٠) لا تضع مصر ضمن قائمة العشر الكبار، وليس هناك أسباب واضحة حول .. كيف تكون مصر خارج قائمة العشر الكبار حتى (٢٠٢٣)، ثم تدخل قائمة الكبار في (٢٠٣٠)، لتخرج منه في عام (٢٠٥٠).

 قد يكون السبب ما يراه كثير من المحللين بأن معظم البلدان النامية تسقط في شرك "الدخل المتوسط"، بمعني أنها تبدأ في النمو السريع حتى مستوى معين، ثم تصبح غير قادرة على تحقيق قفزة في دخل الفرد مقارنة بالعالم المتقدم. وقد أصبح تجنب هذا الفخ هاجسا لصانعي السياسة الصينيين في السنوات الأخيرة، لأنهم لا يفترضون خطاً مستقيماً للازدهار، حتى لو كان بعض المحللين الاقتصاديين في الغرب يتنبؤون بذلك.

 وما لا يجب أغفاله أن النمو الاقتصادي يعمل كوحده واحدة، ونجاح دولة ما في عدة مؤشرات اقتصادية لا يضمن لها النجاح المستدام أذا سقطت في عدة مؤشرات اخري.

الأمر الآخر الذي أهمل الكثيرون في مصر تحليله وفهمه، هو أن التقرير يستند -ليس إلى مؤشر الناتج المحلي الكلي أو إلى متوسط دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي- بل إلى مزيج من تعادل القوة الشرائية (PPP) وأسعار الصرف والناتج المحلي الإجمالي الأسمى.. وتعادل القوة الشرائية نظرية وضعها عالم الاقتصاد السويدي "جوستاف كاسيل" تقارن بين البلدان من خلال نهج يسمى "سلة البضائع والخدمات" التي تضع عملتين عند التوازن عندما تتكلف سلة من السلع نفس التكلفة في كلا البلدين.. بمعني أن مستوى الأسعار المحلية يتوازن مع سعر الصرف مضروباً في مستوى الأسعار العالمية.

 والسؤال.. ما دقة هذا المؤشر؟ وفقاً لتوقعات ستاندرد تشارترد فإن حجم الاقتصاد الصيني في عام 2030 طبقاً لهذا المقياس سيكون 64.2 تريليون دولار، وأن الهند ستصل إلى 46.3 دولار، وأن الولايات المتحدة ستكون فقط 31 تريليون دولار. 

لكن هذا أمر خادع؛ فعموماً عندما يقوم الاقتصاديين بإجراء تحليل إحصائي لبيانات طبقاً لمقياس القوة الشرائية المتباينة، فدائما ما يرتفع الحجم المقاس لاقتصاديات الدول الأقل نمواً، سواء كانت المقارنة مع الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى. 

وطبقاً لهذا فإن التقرير لم يقدم جديداً، فطبقاً لمعيار القوة الشرائية الصين أصبحت بالفعل أكبر من الولايات المتحدة منذ عام 2015، وكذلك الهند تجاوزت بريطانيا طبقاً لهذا المعيار، وإندونيسيا تحتل المرتبة السابعة حالياً، وتركيا رغم كل مشاكلها تحتل المرتبة الثالثة عشر وهي قريبة من قائمة العشر الأوائل، وحتى المكسيك التي صنفها "فيليب كاتيورا" كما ذكرنا ضمن الأسوأ في استخدام مواردها تحتل المرتبة الحادية عشر في نفس القائمة.

إذن، هل هناك طريقة أخرى لقياس حجم الاقتصاد؟ بالتأكيد نعم .. فالمعروف أن اجمالي الناتج المحلي للدول يصدر بأسعار عملاتها المحلية، ويمكن للمرء باستخدام أسعار الصرف البسيطة في السوق حساب الناتج المحلي لكل دولة طبقاً لأسعار الصرف بين العملات المختلفة والدولار الامريكي، وبموجب هذا القياس لا تزال إلى اليوم الولايات المتحدة هي أكبر اقتصاد في العالم، حيث تتقدم على الصين بما قيمته 7 تريليون دولار، ومن المرجح أن يؤدي استخدام مؤشر أسعار الصرف في السوق بدلاً من تعادل القوة الشرائية إلى تغيير صورة عام 2030، حيث ستتفوق الهند على المملكة المتحدة حتى بأسعار الصرف في السوق في السنوات القادمة.

لكن هل يعني ذلك تفوق الاقتصاد في الهند على الاقتصاد في بريطانيا؟ وما هو المعيار الأفضل لقياس قوة الاقتصاد؟ ما هو المقياس الأفضل؟ هناك انقسام حول الأمر؛ يرى بعض الاقتصاديين أن أسعار الصرف في السوق تعطي مؤشراً أفضل للأهمية النسبية لاقتصاد الدول في النظام التجاري والمالي العالمي، وهذا هو المقياس الذي يميل لاستخدامه رجال المال والأعمال، بينما يقول صندوق النقد الدولي: "يعتبر تعادل القوة الشرائية عمومًا مقياسًا أفضل للرفاهية العامة" ومع ذلك فإن الشيء المهم الذي يجب إدراكه هو أن أياً منهما لا يعطي مؤشراً صحيحاً عن متوسط مستويات المعيشة في كل بلد، أو مستوى الازدهار العام لبلد ما. كما أن الانخفاضات في تعادل القوة الشرائية بمعنى التعادل على المدى القصير مقابل المدى الطويل هو محل شك، فقد أظهرت الكثير من التجارب علي العديد من سلات السلع والخدمات أن تعادل القوة الشرائية أمر يمكن التحقق منه على المدى القصير، لكن هناك عدم يقين بشأن ما إذا كان ينطبق على المدى الطويل، بسبب اختلاف تكاليف النقل، ومعدل الضرائب، وحجم المنافسة في السوق، ونسب التضخم، وقبل كل هذا بسبب تدخل الحكومات نفسها في سياسيات التجارة داخل بلدانهم.

التوقعات تشير أنه بحلول عام 2030 سيكون سبعة من أكبر عشر اقتصادات في آسيا، وسيشكل الناتج المحلي الإجمالي الآسيوي حوالي 35٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، من 28٪ في العام الماضي، و20٪ فقط في 2010؛ ما يعادل مخرجات كل من منطقة اليورو والولايات المتحدة مجتمعة.

لكن هل يعني هذا أن الأفراد في الدول النامية في أسيا سيعيشون حياة أفضل من الفرد في الدول المتقدمة في الغرب؟ الإجابة بالتأكيد (لا)، ويمكننا أن نتنبأ بشكل آمن بأن الناس في العالم المتقدم سيظلون في المتوسط أفضل حالاً من أولئك في البلدان النامية في عام 2030؛ لأن السبب في أن الصين أكبر من الولايات المتحدة في أسعار الصرف بين القطاعين العام والخاص هو أن عدد سكانها أكبر بأربعة أضعاف. 

إذا تم قياس الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تعادل القوة الشرائية لكل شخص، تظهر صورة مختلفة تمامًا، مع وجود الصين عند 18000 دولار أمريكي للفرد والولايات المتحدة على 63000 دولار للفرد، كما أن آداء المملكة المتحدة أفضل بكثير من الهند حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد من إجمالي القوة الشرائية حوالي 46،000 دولار مقابل 7800 دولار فقط. 

ولنعد ونطبق ذلك على مصر، في عام ٢٠١٨ تحتل مصر المرتبة (٤٥) حول العالم بمقياس إجمالي الناتج المحلي الأسمى، وترتفع إلى المرتبة (٢١) عالمياً بمقياس القوة الشرائية، لكنها تنخفض إلى المرتبة (١٣١) حول العالم بمقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي. 

وفي تقرير مختلف لبنك بريطاني آخر هو(HSBC) صدر في يناير هذ العام لا يتوقع أن يتحسن ترتيب مصر في عام ٢٠٣٠ طبقا لإجمالي الناتج المحلي الأسمى لأكثر من ٧ مراكز لتصل إلى المرتبة (٣٧).

إذاً ما مدى صحة هذه التوقعات؟ يقول (ستاندرد تشارترد) إن توقعاته "مدعومة بمبدأ رئيسي واحد: يجب أن تتقارب حصة البلدان من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في نهاية المطاف مع نصيبها من سكان العالم، مدفوعًا بتلاقي الناتج المحلي الإجمالي للفرد بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة". 

ومع نشر البلدان النامية لتقنيات تعزيز الإنتاجية في العالم الغني، ينبغي لها -من الناحية النظرية- أن تصبح أكثر إنتاجية وأن تكون معدلات نموها أسرع، وبهذا تتقارب حصة البلدان من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في نهاية المطاف مع نصيبها من سكان العالم، لكن من الصعب أن يتلاقى الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الاقتصاديات المتقدمة مع اقتصاديات الدول الناشئة. 

من الجيد أن نحلم وأن نسعى إلى الأفضل دائما، لكن يجب أن نكون حذرين من تعدد مثل هذه التقارير الاقتصادية ما لم تكن مدعومة من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وقبل كل هذا يجب أن نعلم أن الاقتصاد تحكمه المؤشرات والأرقام، لكنه أيضاً غير بعيد عن تأثير التغيرات السياسية والاجتماعية داخل كل بلد، بل وقد تتأثر اقتصاديات الدول بالتغيرات السياسية والاجتماعية في العالم المحيط بها.

مصر في عام ٢٠١٨ تحتل مصر المرتبة (٤٥) حول العالم بمقياس إجمالي الناتج المحلي الأسمى، وترتفع إلى المرتبة (٢١) عالمياً بمقياس القوة الشرائية، لكنها تنخفض إلى المرتبة (١٣١) حول العالم بمقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي.