تفجير "خلط الأوراق" في منبج .. هل ستبقى أمريكا في سوريا أم ستنسحب؟

لم ترافق الانسحاب الأمريكي "المثير للجدل" من سوريا رياح صيفية هادئة، إذ اصطدم بانفجارٍ قتلَ وجرح جنوداً أمريكيين في مدينة منبج شمالي سوريا.
20 قتيلاً، بينهم أكراد و5 أمريكيين، لقوا مصرعهم في التفجير الذي استهدف مطعماً في مدينة منبج تبناه تنظيم الدولة، بحسب ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويأتي التفجير في وقت يلف عدم الوضوح المواقف الأمريكية، بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والمؤسسات الأمريكية الأخرى، بشأن الانسحاب الأمريكي من سوريا وموعده وآليته.
تفجير خلط الأوراق
الرئيس التركي قال في تعليقه على التفجير: "لا أعتقد أن هجوم منبج سيؤثر في قرار الرئيس ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، وربما يكون الهدف منه التأثير على قرار واشنطن بهذا الشأن".
وأردف أردوغان: "لأنني رأيت عزم ترامب (حول الانسحاب من سوريا)، أرى بأنه لن يتراجع عن قراره نتيجة وقوع العمل الإرهابي (في منبج)، وإن خطوة من هذا القبيل تكون انتصاراً لداعش".
وفي الإطار ذاته، يرى مراقبون أن التفجير الحاصل في منبج يهدف إلى إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، ومنع انسحابها، وبذلك يعيق تركيا عن إجراء العملية المؤجلة شرق الفرات، ما دام أن القوات الأمريكية هناك.
وقال رئيس ومؤسس "مركز آفاق مشرقية للدراسات"، فواز تللو، في حديث مع "الخليج أونلاين": "التفجير يرمي إلى دفع ترامب لعدم الانسحاب من سوريا، وأرجح تورط الانفصاليين الكرد بالأمر بشكل ما؛ للقول إنه ما زال هناك تهديد من تنظيم داعش".
وأضاف تللو: "لا أعتقد أن لنظام الأسد والروس والإيرانيين يداً في التفجير؛ لأن من مصلحتهم الانسحاب الأمريكي؛ لكونهم سيحصلون على الحصة الكبرى من المنطقة"، موضحاً أن "الأتراك سيدفعون باتجاه القبول الأمريكي بتدخلهم سريعاً وإقناعه بأن يحلوا محله في محاربة داعش كما تعهدوا من قبل".
من جانبه، قال الباحث السياسي السوري، عبد الرحمن عبّارة: "إن التفجير يهدف بالدرجة الأولى لخلط الأوراق، ولم يكن مفاجئاً تبني تنظيم الدولة له، فهو يتبنى كل عملية تفجير، سواء في سوريا أو خارجها، وقد لا يكون هو المنفذ، ومن غير المستبعد أن تكون العملية تمت بالتنسيق مع نظام الأسد أو مليشيا سوريا الديمقراطية (قسد)".
وأشار عبّارة، إلى أن "التفجير هو عمل مخابراتي بامتياز، وتبني تنظيم الدولة للعملية لا يمنع من توجيه أصابع الاتهام للمستفيد الأول؛ وهي المليشيات الكردية بالتنسيق مع نظام الأسد".
وبيّن أنّ "هناك رغبة بين نظام الأسد و(قسد) في تأخير الانسحاب الأمريكي، والحيلولة دون قيام تركيا بسد الفراغ المتوقع حصوله بعد إكمال عملية الانسحاب، ومحاولة لكسب الوقت إلى حين نضج تفاهمات معينة بين الأسد و(قسد) تسمح بدخول النظام إلى منبج، مع حفاظ المليشيات الكردية على معظم مكاسبها العسكرية والاقتصادية فيها".
الانسحاب الجدلي
وفي ديسمبر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها تخطط لسحب قواتها، البالغ عددها نحو ألفي عسكري، بشكل "سريع وكامل" من الأراضي السورية التي كانت فيها منذ 2015. وقد اعتبرته حينها الفصائل الكردية المسلحة "خيانة أمريكية وضربة في الظهر".
وذكرت صحيفة "ناشينال إنترست" الأمريكية، الاثنين الماضي، أن تركيا غير قادرة على هزيمة تنظيم الدولة، المتمركز حالياً في الشمال السوري، دون اللجوء إلى مساعدة القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن "ثلاثة مسؤولين عسكريين أمريكيين يرون أن الأتراك لا يستطيعون تكرار الدور الذي أداه الجيش الأمريكي في سوريا ضد تنظيم داعش، وأنه من دون الدعم الأمريكي قد تفشل تركيا في القضاء على التنظيم الذي كان قد امتلك أراضي شاسعة وتكوّنت لديه خبرات عسكرية في كيفية المواجهة".
الوجود الأمريكي في سوريا
والوجود العسكري الأمريكي في سوريا يتفاوت بين قواعد ذات طبيعة ارتكازية ونقاط عسكرية متقدمة لدعم المعارك والمواجهات العسكرية ضد تنظيم الدولة ومساندة الوحدات الكردية.
وشهد تعداد القوات الأمريكية ارتفاعاً متزايداً منذ 2015 في ظل الحملة الدولية على تنظيم "داعش"، وسعي الولايات المتحدة لتعزيز حضورها العسكري والاستراتيجي في المنطقة.
ويفوق عدد العسكريين الأمريكيين هناك ألفي عنصر منذ أواخر ديسمبر 2017، بحسب مركز "جسور للدراسات"، المتخصص بالشأن السوري، في حين تحدث تقرير لشبكة بلومبيرغ الأمريكية، عام 2017، عن رغبة مستشار الأمن القومي الأمريكي (حينها)، الجنرال هربرت مكماستر، في إرسال 50 ألف جندي للعراق وسوريا.
ونقلت وكالة الإعلام الروسية، في مارس 2018، عن مسؤول في مجلس الأمن الروسي قوله: "إن الولايات المتحدة أقامت نحو عشرين قاعدة عسكرية في سوريا على أراض خاضعة لسيطرة الأكراد" الذين تدعمهم أمريكا.