مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: كيف غيرت الأوضاع الداخلية حملات الإعلان السياسي في أمريكا؟

الدكتور ياسر حسان اقتصادي وقيادي بحزب الوفد المصري
الدكتور ياسر حسان اقتصادي وقيادي بحزب الوفد المصري

كانت انتخابات التجديد النصفي لعام 2018 التي جرت هذا الشهر يوم الثلاثاء، 6 نوفمبر، علامة فارقة ومحورية للمقاعد المتنازع عليها في مجلس النواب الأمريكي، ومجلس الشيوخ الأمريكي، والحكومات المحلية.


ساعد الإعلان السياسي في تحقيق إقبال غير مسبوق على مشاركة الناخبين في انتخابات منتصف المدة، حيث بدأ عام 2018 كمرحلة جديدة في عصر البيانات والتحليلات في إعلانات تلفزيونات الكابل.

من الناحية التاريخية، استخدمت الاستراتيجيات الإعلانية للحملات السياسية في المقام الأول المقارنات الهادئة والمجربة سابقاً لتحفيز جمهور الناخبين على الخروج والإدلاء بأصواتهم، مع التركيز على الوصول لأكبر شريحة منهم عن طريق عمليات الشراء الواسعة في أوقات الذروة والبرامج الإخبارية والدعوة التلقائية والبريد المباشر.

ومع ذلك فإن السنوات الأخيرة أظهرت اعتماد المعلنين بشكل متزايد على تلفزيون الكابل؛ حيث تنمو إعلانات الكابلات السياسية بشكل ملحوظ عامًا بعد عام، من حيث إجمالي الإيرادات وحصة السوق. ففي عام 2016، نمت حصة الإعلانات السياسية على تلفزيون الكابل بأكثر من 30 في المئة، والمبيعات على المسار الصحيح لتصل إلى ما يقرب من 850 مليون دولار في عام 2018.

ويعود هذا النمو عند المرشحين السياسيين بسبب الخبراء الذين يعملون مع شركات الاتصالات وشركات مبيعات الإعلانات مثل شركة Comcast Spotlight، حيث يسخر قسم مبيعات الإعلانات في Comcast Cable قدرات البيانات الجديدة في تخطيط استراتيجية الإعلان للحملات الإعلانية، وتمكين المرشحين على نحو أكثر فعالية من استهداف الناخبين المحتملين.

اتبع البيانات على مر السنين، اعتاد المسوقون استهداف العملاء حسب العمر والجنس، مثل النساء من سن 18 إلى 34 أو الرجال بين 35 و54. يتحول التركيز الآن من التركيبة السكانية إلى الجماهير المستهدفة للعثور على الأشخاص الذين يولون أهمية أكثر لنتائج الانتخابات.

على سبيل المثال، يمكّن تليفزيون الكابل المعلنين من استهداف شرائح الجمهور بدقة تخطت العمر والجنس، مثل الناخبين المتكررين أو الناخبين المتأرجحين أو الديموقراطيين، كما أنه يمنح المرشحين القدرة على إيصال الرسائل إلى مناطق جغرافية معينة، مثل الأحياء التي يقطن بها أعضاء الكونغرس على مستوى النواب والشيوخ، بدلاً من المناطق المزدحمة بالمهاجرين الأقل اهتماما بالانتخابات.

هذا الاستهداف الدقيق والمحدد يمكن أن يكون أداة لا تقدر بثمن وكما أظهرت دورة الانتخابات لعام 2016، فإن المقاطعات المتأرجحة في الولايات المتأرجحة غالباً ما تكون لديها القدرة على تحديد نتيجة الانتخابات عندما تكون فرص الحزبين متقاربة.

ويساعد المحللون أيضًا المشتركين في تخطيط الحملات في تحقيق أقصى قدر من الفعالية واتخاذ قرارات مستنيرة بالبيانات الدقيقة وليس من خلال الافتراضات المسبقة حول الشبكات وفترات اليوم. على سبيل المثال، في حين أن الشبكات الإخبارية هي محركات سياسية أساسية لأي انتخابات، تُظهر البيانات أن الشبكات المتخصصة التي تلقى اهتمام الإناث مثل HGTV، وHallmark، وTLC  ضرورية أيضًا لتحقيق أقصى قدر من الوصول بين الناخبين المحتملين، بالإضافة إلى ذلك فإن 85 بالمائة من مشاهدي الكابل تعادل أفضل خمس شبكات تليفزيون فضائية.

وتظهر البيانات أيضًا أنه في الوقت الذي يبقى فيه وقت الذروة يشكل جزءًا هامًا في اليوم، إلا أن الأزمنة الأخرى لا تقل أهمية؛ حيث تشير الدارسات إلى أن ما يقرب من 77 في المائة من مشاهدات الفيديو حسب الطلب يكونون خارج وقت الذروة، مما يدل على أن الناخبين لا يرتبطون بفترات معينة خلال النهار. وبالتالي، فإن تحديد الوقت أو الشبكات في كثير من الأحيان يمكن أن يعني تقييد الوصول إلى الشرائح المستهدفة.

في عالم المشاهدين المفتت الآن، ستكون الحملات أكثر تركيزاً على الجمهور المستهدف أكثر من عدد المشاهدين، ستؤدي حملات البث التلفزيوني عبر الكابل إلى تحقيق نتائج للمعلنين السياسيين، فالدقة في استهداف الناخبين لم تكن أبداً أكثر أهمية كما هي عليها اليوم.

الإنفاق على الإعلانات السياسية يحقق رقمًا قياسيًا جديدًا في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018 تم إنفاق المزيد من المال على حملات الإعلان في هذه الدورة الانتخابية أكثر من أي دورة سابقة لانتخابات منتصف المدة، ووفقا لمركز السياسة المستجيبة  (CRP)-الذي يدير الموقع الإلكتروني لبيانات الانتخابات OpenSecrets - الذي يقول إنه رغم أن الأرقام النهائية لا تزال غير دقيقة، لكن Andrew Mayersohn  الباحث في CRP يؤكد أنه يمكننا القول إن الإنفاق الإعلاني لانتخابات منتصف المدة سجلت رقمًا قياسياً جديداً.

والسبب في ذلك هو التنافس المتزايد بين الأجناس والأعراق المختلفة في أمريكا، والبيئة السياسية التي باتت أكثر راديكالية في عهد ترامب، واعتقاد كثير من الناخبين أن انتخابات منتصف المدة الجديدة سوف يكون لها عواقب هائلة ستؤثر على العقد التالي لأمريكا بسبب قضايا الغش في الانتخابات الرئاسية السابقة والتدخلات الروسية، مما دفع حملات الدعم والمانحين لتفريغ محافظهم.

 

 

 

 

 

 

 

الصورة الأكبر تختلف التقديرات لإجمالي الإنفاق الإعلاني نظرًا لعدم وجود أي مجموعة تتعقب كل وسيلة على حدة، ولكن الإنفاق الإعلاني لوسائط الإعلان الفردية يتزايد عن السنوات الماضية.

وتبلغ تقديرات الإنفاق الإعلاني علي التلفزيون والراديو وحده -وفقاِ لتقديرات المحللين- حوالي 3.27 مليار دولار، في حين تصل تقديرات الإنفاق الإعلاني الرقمي إلى ما يقرب من 900 مليون دولار، وفقًا لتقديرات شركة  Kantar Media / CMAG.

وللمقارنة، فإن ما تم إنفاقه على التليفزيون المحلي يكاد يزيد قليلاً عما تم إنفاقه على التلفزيونات المحلية في انتخابات عام 2016 الرئاسية، ومنذ الانتخابات النصفية لعام 2014 ، تضاعف الإنفاق على تليفزيون الكابل المحلي تقريبًا وتضاعف الإنفاق الرقمي بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا.

الخطاب السياسي جمهوريون وديمقراطيون كلهم مرتبطون بقضيتين رئيسيتين في محاولة لإيصال الناخبين إلى صناديق الاقتراع. بالنسبة للديمقراطيين.. كان هناك الكثير من الانضباط في خطابهم السياسي، حيث كان التركيز هذه المرة يدور حول الرعاية الصحية وتكلفة العقاقير التي تستلزم وصفة طبية، والزيادات في أقساط التأمين، وغيرها من الأوضاع التي لم تتحسن في عهد ترامب.

بالنسبة للجمهوريين فقد دافعوا عن فكرة ترامب بأن الهجرة ستؤدي إلى عدم تكافؤ فرص الرعاية الصحية، ويقول زاك موفات -المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة  "Targeted Victory"وهي شركة تسويق رقمية تعمل في المقام الأول مع المحافظين- "يتبنى الجمهوريون وجهات نظر الرئيس ترامب في تسويق أنفسهم".

والملاحظ أن السياسية الخارجية للولايات المتحدة والأوضاع الدولية حول العالم، ليس لهما تأثير كبير في توجه الناخبين الأمريكيين.

وما بين السطور فإنه على الرغم من مرور عامين من الصحافة السيئة حول أخبار الانتخابات والأخبار المزيفة هنا وهناك، فإن Google  و Facebook، وهما أكبر منصتين تسويقيتين آليتين في العالم، لا يزالان يستحوذان على ملايين الإعلانات السياسية ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قدرتهما على استهداف مجموعات مختلفة من الناخبين مع رسائل مختلفة.

ما بين الأرقام كشفت دراسة أجرتها جامعة نيويورك في أكتوبر الشهر الماضي نظرت إلى عينة من الإعلانات التي تم شراؤها في سبتمبر الماضي إلى أن المعلنين الذين يمثلون مرشحين في انتخابات منتصف المدة تمكنوا من الوصول إلى ناخبيهم مقابل قروش صغيرة -خاصة على Facebook - والتي أتاحت للحملات الفرصة لتشغيل مئات من التجارب حول الإعلانات التي عملت على أفضل وجه.

وهذا الاتجاه ليس جديدًا تمامًا، فقد استخدمته حملة ترامب عام 2016، كما تظهر المؤشرات أنه قد تم استخدامها من قبل المرشحين في الانتخابات الأكثر محلية الخاصة بحكام المدن والولايات والتي أقيمت بالتزامن مع انتخابات منتصف المدة.

-  متوسط تكلفة الظهور Average cost per impression: $ .007  على Facebook و $ .005 على Google و $ .015 على Twitter

 - متوسط الإنفاق لكل إعلان Average spending per ad: 153  دولارًا - 600 دولار على Facebook و 1800 دولار على Google و 265 دولارًا على Twitter.

 - متوسط الظهور لكل إعلان Average impression per ad: 1،100-4،800 على Facebook و 6،300 على Google و 86 على Twitter.

والخلاصة.. إنه مع المزيد من الأموال التي ينفقها أكبر الداعمين على الإعلان، فإن الحملات السياسية لن تتوقف عند أي شيء للحصول على أصوات الناخبين.