في ذكرى اغتياله .. "مالكوم إكس" محارب العنصرية المسلم

على الرغم مما وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية من تطور حضاري، ما زالت العنصرية سمة في هذه البلاد، ميزتها منذ عَرفها العالم عام 1492 من خلال الرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس.
ومنذ ذلك التاريخ حيث دخلت جيوش المحتلين الأوروبيين هذه الأرض، التي حملت اسم أمريكا، كانت العنصرية أبرز السمات التي اشتهرت بها.
العنصرية التي بدأت من خلال الاستهانة بأصحاب الأرض، الذين أطلقوا عليهم تسمية الهنود الحمر، والمعارك التي خاضوها لقتلهم وأسرهم واستعبادهم، كانت الانطلاقة لاستعباد بشر آخرين جاؤوا بهم من بلدان بعيدة استعمروها.
كان نصيب أفريقيا هو الأكبر بين المستعمرات الأخرى، حيث جاؤوا برجالهم ليعملوا قسراً كـ"عبيد" في مشاريع بناء هذه الدولة الحديثة.
القتل والتعذيب هو ما كان يناله هؤلاء البشر المستعبدون في هذه الأرض من قبل البيض، الحاكمين الجدد للدولة التي خططوا لها أن تكون أقوى دولة في العالم.
مع توالي السنين، وبسبب ارتفاع أعدادهم، أصبح الأفارقة قوة لا يستهان بها، وهم يخضعون لحكم "السادة" البيض، ويعيشون في فقر وفاقة، وهم أول ضحايا الأمراض الفتاكة التي كانت تظهر آنذاك.
الاستعباد كان السبب في انتفاض السود، وسعيهم إلى أن يكونوا مواطنين كما هم البيض؛ لا سيما أنهم ساهموا في بناء هذه البلاد.
الانتفاضات كان لها قادة متميزون، بينهم مسلمون كانوا السبب في دخول أعداد كبيرة من الأمريكيين السود إلى الإسلام؛ حيث وجدوا في هذا الدين مناصراً لقضيتهم، ورافضاً لأن يكونوا عبيداً لغير خالقهم.
وكانوا يقيسون بين الدين الإسلامي الذي لا يعترف بأفضلية لون أو صفة أو جنسية على غيرها من جهة، والمسيحية التي يدين بها البيض ويظلمونهم من جهة أخرى دون أن يدافع عنهم رجال الدين في الكنيسة، فكان أن ترك العديد منهم ديانتهم المسيحية واتخذوا الإسلام ديناً جديداً.
- تطور العنصرية
في العام 1964 وقّع الرئيس ليندون بينز جونسون (1964 - 1969) مشروعات قانون الحماية المدنية، التي حظرت التمييز العرقي في المرافق العامة، وفي التجارة بين الولايات، وفي أماكن العمل والإسكان، ومنح القانون حقوق التصويت الكاملة للمواطنين من جميع العرقيات.
وبرغم هذه الخطوة المهمة لم يتم القضاء على العنصرية بشكل كامل؛ فجذور الكراهية متعمقة في نفوس الأمريكيين، سواء البيض أو السود، وهو ما أنتج على مدى السنين وحتى اليوم مشاكل تصل إلى القتل.
لكن العنصرية في أمريكا تطورت، ولم تقف عند حدّ السود، بل أصبح المهاجرون يوسمون من قبل السكان البيض بصفات عنصرية، منها اتهامهم بالجهل والتخلف، ومعاملتهم بأنهم بشر من فئة دونية.
العنصرية في السنوات الأخيرة كانت المشكلة التي يعاني منها المسلمون؛ فهم يُتهمون من قبل كثيرين- بينهم سود!- بأنهم "إرهابيون".
وتعرض المسلمون في مرات عديدة لهجمات، والأبرز أن العنصرية تجاه المسلمين صدرت في أكثر من مرة من الرئيس دونالد ترامب.
وفي سياق الحديث عن العنصرية بالولايات المتحدة، يبرز أشخاص كانوا محركين لرفض العنصرية، وداعين إلى المساوة، ومن بين هؤلاء مالكوم إكس، الذي دعت ذكرى اغتياله للحديث عنه.
ومالكوم إكس عُرف بصفته داعية إسلامياً مدافعاً عن حقوق الإنسان، أمريكي أفريقي مناضل من أجل العدل والمساواة.
ولد مالكوم إكس (اسمه الأول مالكوم ليتل) في 19 مايو 1925، بمدينة أوماها بولاية نبراسكا الأمريكية، بين ثمانية إخوة من أب قس في أسرة تعتز بجذورها وانتمائها الأفريقي.
اضطرت عائلته إلى تغيير مكان إقامتها أكثر من مرة لتجنب ضغوط وتهديدات العنصريين البيض لوالده القس إيرل ليتل، الذي كان متحمساً لأدبيات منظمة "القومية السوداء"، لكن ذلك لم ينج الأسرة من ملاحقة البيض.
ففي سنة 1931 وُجد والده مقتولاً على سكة القطار بمدينة "لانسنغ" بولاية ميتشغان، ووجهت عائلته أصابع الاتهام إلى مجموعة عنصرية متطرفة، ثم دخلت أمه مصحاً للأمراض العقلية سنة 1938 بسبب معاناتها من فقدان زوجها، فتفرق الأبناء في مراكز الرعاية الاجتماعية.
تطلع مالكوم لدراسة القانون، لكنه ترك المدرسة في المرحلة الثانوية التحضيرية (جونيور هاي سكول) احتجاجاً على أستاذ أبيض قال له إن "دراسة القانون هدف غير واقعي بالنسبة لزنجي".
- من هنا بدأ بالدعوة
ترك المدرسة وهو حانق على البيض، رافضاً لواقع اجتماعي اعتبره عنصرياً وظالماً، فرحل إلى بوسطن، وانغمس في اللهو والمجون، ولعب القمار وترويج المخدرات، فدخل السجن سنة 1946 بتهمة السرقة والسطو المسلح.
عوّض الانقطاع عن التعلم في المدرسة بالتثقيف الذاتي؛ من خلال المطالعة وقراءة الكتب في أثناء وجوده بالسجن وقد تجاوز عمره العشرين.
وتعرف على أدبيات منظمة "أمة الإسلام"، وأصبح بعد خروجه من السجن سنة 1952 "عضواً مكرساً" في المنظمة، واتخذ لقب "إكس" بدلاً من لقب "ليتل" الذي اعتبره اسماً عبودياً.
استطاع- بما امتلك من جاذبية وحماس وقدرة على التأثير- اجتذاب آلاف السود الأمريكيين إلى "أمة الإسلام"، فتضاعف أعضاؤها عشرات المرات في زمن قياسي، وبلغ عددهم ثلاثين ألفاً في سنة 1963 بعد أن كانوا نحو خمسمئة عضو في سنة 1952.
ترك مالكوم إكس جماعة "أمة الإسلام" في فبراير 1964، وذهب لأداء فريضة الحج، فعاد بمنهج جديد لمتابعة النضال في حركة الحقوق المدنية، وبرؤية للإسلام تختلف عن رؤى مرشده السابق.
فقد أثرت فيه رؤيته للمسلمين جنباً إلى جنب، يصلون في صفوف متراصة، ويأكلون من أطباق واحدة، ويتحدثون في مجالس موحّدة، لا تمييز فيها بين الألوان والأعراق.
أضاف إلى اسمه الأول لقب "الحاج مالك شباز"، وبدأت دعوته تخرج من دائرة السود الأمريكيين لتتوجه إلى مختلف أعراق ومكونات المجتمع الأمريكي، وأسس منظمة "المسجد الإسلامي" لمتابعة نشاطه الحقوقي.
واصل دعوته ونضاله فأسس "منظمات الوحدة الأفرو أمريكية" في محاولة لربط نضال السود الأمريكيين بنضال الأمم الأفريقية التي كانت تناضل من أجل التحرر الوطني.
اغتيل مالكوم إكس في 21 فبراير 1965 من قبل ثلاثة مسلحين من منظمة "أمة الإسلام"، أطلقوا عليه النار في منطقة هارلم بنيويورك، ودفن بمقبرة "فيرنكليف" في منطقة هارتسدايل بنيويورك.