"عفرين".. النقطة التي افترقت عندها تركيا وإيران

"عفرين".. النقطة التي افترقت عندها تركيا وإيران
"عفرين".. النقطة التي افترقت عندها تركيا وإيران

باتت "عفرين" النقطة التي تقف عندها علاقات تركيا الدبلوماسية مع الدول صاحبة النفوذ في سوريا، فبعد انتقادات أوروبية وأمريكية وعربية "مبطنة وعلنية" لعملية "غصن الزيتون" التي أطلقتها أنقرة هناك، دخلت إيران، الحليف القوي لها في سوريا، على خط الانتقادات، وأعلن رئيسها حسن روحاني صراحة رفضه العملية.


روحاني أكد في مؤتمر صحفي له، الثلاثاء (6 فبراير 2018)، أن الهجوم التركي المستمر على عفرين لا يخدم مصالح أي بلد في المنطقة، مؤكداً أنه قال لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال هاتفي، إن "التوتر في شمال سوريا لا يفيد أحداً".

وأوضح الرئيس الإيراني أن سبب معارضة بلاده دخول الجيش التركي هو أنه "تم دخول أراضي دولة مستقلة ذات سيادة دون موافقتها، حيث يؤدي إلى مقتل الأبرياء، ومقتل عناصر الجيش التركي أيضاً".

وأشار في الوقت نفسه إلى أن بلاده ترتبط "في الوقت الحالي" بعلاقات جيدة مع تركيا، مبيناً أنه أوضح وجهة نظره هذه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين.

هذه التطورات في اللهجة الإيرانية تأتي بعد قيام قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية المتمركزة في بلدة "الحاضر" بريف حلب الجنوبي، باستهدف رتلٍ تركي عسكري بالقرب من بلدة العيس، التابعة لريف حلب الجنوبي، في 29 يناير الماضي، وقد ردَّت القوات التركية على مصدر إطلاق النار.

وتشن القوات التركية حملة عسكرية في عفرين القريبة من منبج، ضد وحدات حماية الشعب الكردية الانفصالية التي تعتبرها أنقرة "إرهابية"، وأشارت في وقت سابق إلى أن هجماتها قد تتوسع لتشمل منبج.

وفي المقابل، تحظى القوات الكردية بدعم عسكري ولوجستي من واشنطن، التي تعتبر الأكراد درعاً في مواجهة تنظيم "داعش" في سوريا.

وتخشى تركيا من أن يسمح التمزق الذي تشهده سوريا منذ سنوات بسبب الحرب، بإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية.

- مخاوف
وبينما العملية العسكرية التركية في عفرين مستمرة، تسعى أنقرة إلى حشد دعم دولي بحجة محاربتها من تصفهم بـ"العناصر الإرهابية".

وما لبثت أن اصطدمت تلك المساعي التركية برفض أطراف إقليمية ودولية، بينها إيران التي راهنت أنقرة على تأييدها، فالعدو كما ترى واحد، وهو وحدات حماية الشعب الكردية.

لكن طهران جيشت وسائل إعلامها التي وضعت العمليات التركية في مرمى نيرانها، وعدتها تدخلاً في شؤون الغير، وهو ما اعتبرته أنقرة دعاية كاذبة وموقفاً رسمياً من إيران.

ولعل أبرز ما أزعج تركيا نشر قناة "بريس تيفي" الإيرانية الرسمية فيديوهات عن معارك عفرين، تتحدث عن استهداف مدنيين وتناقض تماماً ما تصرح به أنقرة.

وترى تركيا- وفق مراقبين- الموقف الإيراني نوعاً من نكران الجميل، حيث وقفت أنقرة بشكل قوي مع طهران أثناء التظاهرات الأخيرة، وكانت تتوقع دعماً في المقابل.

لكن الدكتور باسل الحاج جاسم، الخبير في الشؤون الدولية، يفسر هذا الرفض الإيراني بأنه "لا يتجاوز النطاق الإعلامي"، لأسباب كثيرة لعل أبرزها "رغبة طهران في الحصول على نقاط من تركيا في مناطق أخرى في سوريا أو خارج سوريا".

وأضاف أن كلام الرئيس روحاني نفسه "يأتي في إطار ضغط للحصول على نقاط من تركيا في أماكن أخرى، والشعور لدى طهران بأن موسكو تريد الموازنة بين النفوذين الإيراني والتركي داخل سوريا، تمهيداً للتوصل لتسوية سياسية".

وبين أنه إن "حصلت التسوية فذلك يعني خروج جميع المقاتلين الأجانب من سوريا، ومن ضمنهم المليشيات الإيرانية، وهذا لا يروق لطهران التي كانت تنظر إلى كل سوريا على أنها تحت نفوذها"، مشيراً في ذات السياق إلى أنه "ليس من الصائب القول إن هناك تحالفاً بين أنقرة وطهران في سوريا".

كلام الحاج جاسم يتفق معه كلام الدكتور سعيد الحاج، محلل الشؤون التركية، الذي أشار إلى أنه ورغم الإطار الثلاثي الذي يجمع إيران ورسيا وتركيا في سوريا، والمواقف المساندة من قبل الحكومة التركية لطهران في عدد من القضايا، أبرزها في شمال العراق والاحتجاجات التي عصفت بإيران مؤخراً، فإن هذا التعاون قائم فقط "لأن تركيا داعمة للمعارضة، وإيران داعمة للنظام، أي إن الخلافات الجوهرية بينهما لا تزال قائمة".

ولفت، إلى أن "تقدم تركيا حتى النهاية ستؤدي لسيطرتها ومجموعات الجيش السوري الحر على منطقة عفرين، كما حصل مع مناطق درع الفرات، وهذا لا يناسب إيران ولا النظام السوري؛ لأنها ستزيد من المساحات الجغرافية للمعارضة، ما يزيد من أوراق القوة لها على طاولة التفاوض".

وأوضح أن "طهران كانت تحاول احتواء العملية حتى لا تصل إلى نهايتها وجعلها عملية محدودة"، مبيناً أن "إيران ترغب بأن تغادر المليشيات الكردية عفرين وتسليمها للنظام كحل وسط يناسب الطرفين، ومن ثم سينعكس هذا على طاولة التفاوض".

لكن الهجوم الذي استهدف رتلاً تركياً في منطقة "الحاضر" من قبل مليشيات إيرانية، مثل تحدياً صارخاً للعملية التركية إلى جانب ما تقوم به طهران من ضغوط سياسية وإعلامية عليها.

وكان لافتاً إعلان الجيش التركي، الثلاثاء (6 فبراير 2018)، مقتل جندي وإصابة 6 آخرين في هجوم بالصواريخ وقذائف الهاون استهدف إحدى نقاط المراقبة التي يقوم الجيش التركي بتأسيسها في محيط إدلب، وتعرف باسم "نقطة المراقبة رقم 6".

واتهم بيان رئاسة أركان الجيش التركي "إرهابيين"، دون تحديد انتمائهم، بتنفيذ الهجوم، في حين أكد ناشطون سوريون أن تركيا ردت باتجاه مناطق تسيطر عليها مليشيات إيرانية.

وخلال الأيام الماضية واجهت القافلة العسكرية التركية التي كانت تضم عشرات الآليات والدبابات، هجمات عدة، وصعوبات بالغة في طريق وصولها من الحدود التركية مروراً بريف حلب الجنوبي والغربي، وصولاً لمنطقة "تل العيس" في جنوب غربي حلب.

وفسر الدكتور باسل حاج جاسم ما جرى هناك بعدم وجود نقاط مراقبة تركية في "تل العيس"، وهذا مشابه لما فعلته المليشيات الإيرانية لإعاقة اتفاق حلب عام 2016 بين موسكو وأنقرة، ويعكس رغبة تلك المليشيات بالاستمرار بالحل العسكري.

كما يشير سعيد الحاج إلى أن هذه التحركات الإيرانية تأتي كضغوط عسكرية لمنع تركيا من إتمام عمليتها في "عفرين"، محذراً من تصاعد الخلافات معها والضغوط مع إيران، وهو ما ينذر بانهيار "الإطار الثلاثي" بين الطرفين وما يترتب عليه من انعكاس لموازين القوى في الميدان ومن ثم على مفاوضات أستانة وجنيف.

وفي ظل هذه الأجواء ينتظر أن تحمل الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إلى طهران الأربعاء (7 فبراير 2018)، تهدئة لمخاوف إيرانية من خسران حصتها من الكعكة السورية، خاصة أن تركيا يبدو أنها ماضية في عمليتها وتعتبر من يقف ضدها "عدواً بالضرورة".