لماذا أنقذت السعودية حياة "صالح" رغم خوضها حرباً ضده؟

تمايزت العلاقة بين السعودية والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، عبر عدد من المحطات التي أعقبت ثورة اليمنيين على الأخير في 2011، فمن تأييد إلى وقوف على الحياد إلى خصومة، ثم إلى محاولة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً.
وطوال عقود قضاها صالح في حكم اليمن، حاولت الرياض الإبقاء عليه كحليف قوي لها، ودعمته في مواجهة خلافاته المسلحة مع الحوثيين المدعومين من إيران لسنوات، وظلّت تتعامل معه بوصفه ضمانتها التي تجعل وقوع اليمن في براثن إيران أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً.
وفور اندلاع ثورة فبراير 2011، حاولت المملكة تقديم الدعم، ولو بشكل غير مباشر، للرئيس اليمني السابق، قبل أن تبدأ في القيام بدور الوسيط بين الرجل وشعبه لتتوصل إلى مخرج آمن له تمثل في المبادرة الخليجية، قبل أن تندلع الحرب بين حليفي الأمس بسبب سيطرة الحوثيين وقوات موالية لصالح على العاصمة صنعاء ومدن أخرى بقوة السلاح عام 2014.
- إنقاذ
وخلال أحداث الثورة، أنقذت المملكة حياة صالح بعدما كاد يقتل في تفجير استهدف مسجد القصر الرئاسي عام 2011، ثم عادت وأنقذت حياته مجدداً بعدما تدخل التحالف العربي الذي تقوده الرياض، الجمعة 13 أكتوبر2017، لإنقاذه؛ إثر تدهور صحته فجأة.
وأفادت قناة "العربية" السعودية، في خبر على موقعها الرسمي حمل عنوان: "السعودية تنقذ حياة الرئيس اليمني المخلوع للمرة الثانية"، أن التحالف سمح بنقل فريق طبي روسي خاص إلى مطار صنعاء.
ومنذ مارس 2015، تقود السعودية تحالفاً عربياً بناء على طلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالتدخل عسكرياً في اليمن، عقب انقلاب المليشيات الحوثية وقوات صالح، الذي انتهى بالسيطرة على العاصمة صنعاء.
وعلى الرغم من الحظر الجوي المفروض من التحالف العربي على مطار صنعاء الدولي، منذ أغسطس 2016، فإن طائرة روسية تجري رحلات مباشرة بينه وبين وموسكو لنقل طواقم سفارتها.
وقال مكتب صالح إن فريقاً طبياً روسياً أجرى عملية جراحية للرئيس المخلوع في أحد مستشفيات صنعاء، إثر تدهور حالته الصحية فجأة.
في نوفمبر 2011، وقع صالح في الرياض على المبادرة الخليجية التي رعتها دول المجلس وانسحبت منها قطر، والتي انتقلت بموجبها صلاحياته إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإدارة مرحلة انتقالية يتم خلالها الحوار من أجل حل المشاكل الرئيسية في اليمن.
- حرب
لكن صالح أوى إلى ركن الحوثيين وشاركهم انقلابهم على العملية السياسية عام 2014، لتبدأ مواجهة عسكرية بين السعودية وصالح اللذين طالما بقيا حليفين، حيث شنت الرياض عاصفة الحزم دعماً للحكومة الشرعية بزعامة هادي، في وجه صالح والحوثيين المدعومين من إيران.
وترافقت المواجهات العسكرية على الأرض مع مواجهات إعلامية واتهامات متبادلة بين الطرفين عبر وسائل الإعلام، في مايو 2015، وقال صالح في مقابلة مع قناة "الميادين"، التي تبث من بيروت، إن السعودية عرضت عليه ملايين الدولارات لمحاربة الحوثيين الشيعة لكنه رفض.
وفي أكتوبر من العام الماضي، هاجم صالح الحكومة السعودية وطالب أعوانه في خطاب متلفز بنقل المعركة إلى الحدود السعودية، وهو ما ردت عليه الرياض بشن هجوم إعلامي على صالح ووصفه بالمهزوم الذي يهذي من جرّاء ما تعرّض من انتكاسات.
وجدد صالح في (23 أغسطس 2017)، "استعداده للحوار مع الرياض في إطار لا ضرر ولا ضرار، للتفاهم كما تفاهمنا في 1970". ولمزيد من المغازلة، دعا صالح، خلال الحوار نفسه، الحوثيين للتهدئة.
لكنه جعل إلغاء قرار مجلس الأمن رقم (2216) الذي وصفه بأنه قرار حرب، شرطاً للحوار، كما اشترط رفع اليمن من طائلة البند السابع، داعياً الأمم المتحدة إلى إصدار قرار حاسم لإيقاف الحرب.
- عودة التوافق
وجاء الإعلان عن تدخل المملكة لإنقاذ حياة الرئيس اليمني المخلوع لتعزز أنباء تواترت مؤخراً بشأن سعي الرياض لإصلاح ما أفسدته السنوات الماضية مع صالح، في ظل عجزها عن حسم المعركة العسكرية على الأرض، فضلاً عن أن خساراتها آخذة في الازدياد وفق تقارير.
وكانت مواقع إخبارية تداولت خلال الأسابيع الأخيرة تسريبات بشأن تسوية سياسية لأزمة اليمن يتم الإعداد لها بمعرفة الرياض وأبوظبي، بحيث يتولى نجل الرئيس اليمني المخلوع (العميد أحمد علي صالح) المقيم في الإمارات، منصب وزير الدفاع في حكومة جديدة بموجب تسوية سياسية.
وثمة تسريبات تفيد بوجود تقارب بين قيادات حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي يتزعمه صالح، وقيادات أخرى بالحزب موالية للشرعية من جهة، والرياض وأبوظبي من جهة ثانية، لتولي الحزب دوراً فاعلاً في المرحلة المقبلة.
وكانت عملية إعادة العلاقات اللافتة بين الرياض وبغداد، واستقبال المملكة لزعيم التيار الشيعي مقتدى الصدر في أغسطس الماضي، دفعت مراقبين إلى القول إن السعودية تحاول البحث عن باب خلفي يمكنها من خلاله التواصل مع إيران لإنهاء نزيفها في اليمن بأسرع وقت.
ويرى مراقبون أن حملة إعادة إنعاش حزب المؤتمر التي تدعمها الإمارات تأتي بالتزامن مع حملات إعلامية تهدف لتهيئة الشارع لعودة نجل صالح إلى اليمن وممارسة العمل السياسي على رأس حزبه.
ونقل "يمن 24"، عن مصادر لم يسمها، أن اللجنة السعودية الخاصة سلمت مبلغاً مالياً كبيراً للقيادي الموالي للرئيس هادي في حزب "المؤتمر"، رشاد العليمي، لإعادة ترتيب صفوف الحزب. وقالت المصادر إن العليمي تسلّم 100 مليون ريال سعودي (نحو 30 مليون دولار)، لإعادة ترتيب صفوف الحزب وإعادته إلى صدارة المشهد السياسي في البلاد.
وأضافت المصادر أن العليمي "تسلّم المبلغ وغادر العاصمة السعودية الرياض متوجهاً إلى القاهرة، وهو ما دفع بقيادات مؤتمرية إلى تقديم شكوى للجنة الخاصة ورئاسة الجمهورية اتهمت العليمي باستلام المبلغ والهروب إلى مصر".
وردّ العليمي باتصالات مع جهات سعودية وأخرى بالشرعية، قال فيها إن مغادرته الرياض كانت من أجل إعداد دراسة وخطة عمل، وأيضاً الابتعاد عن بعض قيادات المؤتمر "الانتهازية" الموجودة بالرياض.
- تكلفة باهظة
وبعد مرور عامين على عاصفة الحزم التي أطلقتها الرياض في مارس 2015، أكدت صحيفة "واشنطن بوست"، أن الحوثيين تمكَّنوا من تحقيق إنجازات وانتصارات ميدانية غير متوقّعة في معاركهم الدائرة مع القوات السعودية في العمق السعودي.






