اللاجئون في ألمانيا .. بين مطرقة الإجراءات وسندان "الإرهاب"

شكلت موجات اللاجئين الفارين من مناطق النزاع في أفغانستان ودول الشرق الأوسط إلى الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، الدولة الأكثر استضافة للاجئين على صعيد القارة الأوروبية، تحدياً حقيقياً ترك أثره على الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية خلال السنوات القليلة الماضية، حتى أصبح هذا الملف عنواناً رئيسياً في الأجندات الحكومية؛ وميزاناً للأداء الأمني والحكومي، وبرنامجاً انتخابياً للأحزاب المتنافسة.
ومع تنامي أعداد اللاجئين في ألمانيا، وبلوغها مستويات غير مسبوقة تفوق قدرة الدولة على استيعابها، تراجعت ثقافة الترحيب باللاجئين، وسياسة الحدود المفتوحة، بشكل ملحوظ، وتحول الملف إلى عبء سياسي كاد يعصف بثقل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل داخل حزبها، وبمستقبل ترشيحها لولاية رابعة نهاية العام الجاري، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية التي ضربت المدن والعواصم الأوروبية على يد لاجئين ومهاجرين تابعين لتنظيم الدولة.
- تشديد الإجراءات
تمخضت المفاوضات المكوكية، والتوافقات السياسية بين أحزاب الائتلاف الحاكم في ألمانيا، بداية العام الحالي، عن إقرار حزمة إجراءات وقوانين مشددة حازت أغلبية نيابية داخل البرلمان الألماني، تهدف في الأساس إلى وضع معايير وأسس جديدة لمستحقي اللجوء، وتصنيف دولهم بين آمن ومضطرب، بالإضافة إلى تخفيف القيود المفروضة على ترحيل اللاجئين الذين رفضت طلبات لجوئهم، وتسريع إجراءات الترحيل، ووضع شروط جديدة لحق الإقامة والعمل ولمِّ شمل عوائل اللاجئين.
كذلك ألقت الهجمات الإرهابية التي شهدتها المدن والعواصم الأوروبية، وطالت العاصمة برلين، بظلالها على قضية اللاجئين، حيث أظهرت التحقيقات والمتابعات الأمنية اندساس عناصر تابعين لتنظيم الدولة، ومليشيات الحشد الشعبي العراقية، وعناصر شبيحة نظام الأسد في سوريا، بين صفوف اللاجئين، كما هو حال اللاجئ التونسي أنيس عامري، منفذ هجوم الشاحنة على جمع من رواد أسواق أعياد الميلاد في برلين نهاية العام الماضي، وغيره ممن ألقت السلطات الأمنية الألمانية القبض عليهم خلال المداهمات التي شنتها عقب هجمات برلين بعد ثبوت تورطهم بأعمال إرهابية وعمليات قتل في سوريا والعراق.
الهجمات المتكررة في ألمانيا على يد طالبي اللجوء كشفت عن وجود ثغرات أمنية خطيرة استطاع منفذو الهجمات استغلالها، فبسبب ضعف تبادل المعلومات بين الدول الأوروبية وبين السلطات الفيدرالية داخل ألمانيا، تمكن كثيرون من التسجيل في مراكز استقبال اللاجئين بمدن مختلفة، وهو ما عده المراقبون ضعفاً في تطبيق نظام اللجوء الألماني، كما كشفت التحقيقات في هجمات برلين وميونيخ وفورتزبورغ وغيرها، عن وجود خلل في الإجراءات الأمنية المتخذة بحق اللاجئين المصنفين على أنهم مجرمون وإرهابيون.
وتحدث عبد السلام أفروان المحاضر في معهد "كارل آرنولد" الألماني، المتخصص بشؤون اندماج اللاجئين، ، عن تداعيات الأحداث الأمنية الأخيرة في ألمانيا قائلاً: "ابتداءً بحادثة التحرش الجماعي في ليلة رأس السنة نهاية 2015 بمدينة كولون، وصولاً إلى هجوم الطعن في هامبورغ، هناك تداعيات تطبق على أنفاس اللاجئين العرب من سوريا والعراق ودول المغرب العربي بشكل عام، سيتم تسريع وتيرة ترحيل اللاجئين المرفوضة طلباتهم إلى أوطانهم أو إلى دول آمنة، كما سيتم استغلال مثل تلك الأحداث من قبل اليمين المتطرف لمهاجمة سياسات المستشارة أنجيلا ميركل".
وأضاف أفروان قائلاً: "هناك خشية حقيقية من حدوث أعمال انتقامية قد تطول اللاجئين من قبل أنصار اليمين المتطرف على خلفية الهجمات الأخيرة، فعلى الرغم من عدم ربط ما حدث مؤخراً بالإسلام ومشاعر الإسلاموفوبيا التي تستغلها الحركات اليمينية المتطرفة مثل "بيغيدا"، فإن الأوضاع مرشحة لمزيد من التحريض وموجات الكراهية ضد المسلمين، قد تصل إلى حد الاعتداءات على المساجد على شاكلة الهجوم على مسجد لندن".
وفي خضم السباق الانتخابي المحموم بين الأحزاب الألمانية، حيث ستجري الانتخابات البرلمانية العامة؛ ومن ثم انتخاب منصب المستشار في سبتمبر المقبل، تتنافس التيارات اليمينية والتيارات المحافظة على تقديم أكثر النماذج تشدداً مع اللاجئين، وذلك في مسعى لكسب أكبر قاعدة انتخابية من مؤيدي تشديد الإجراءات على اللاجئين في ألمانيا ووقف استقبالهم، مستغلين المزاج الغاضب للناخب الألماني والمدعم بالدعاية التحريضية ضد اللاجئين تحت ذريعة ما يسمى بأسلمة أوروبا وتغيير الهوية الثقافية والقومية في ألمانيا.