مقالات د/ ياسر حسان

مقال بقلم د/ ياسر حسان: القرار الاقتصادي.. بين الأنظمة العربية والغربية

 

في الماضي والحاضر لم تستطع معارضة إفشال نظام حاكم، الأنظمة هي من تُفشل نفسها بنفسها. والفشل في كل الاحوال يكون في "قرار".. قرار إنسان واحد يغير كثيرًا من حاضر الناس ومستقبلهم ثم يكتب تاريخًا ربما كان سوف يختلف تمامًا لو تغير "القرار"، والذاكرة السياسية في قديم الأزل وحديث العهد مليئة بمثل هذه القرارات سياسيا واقتصاديا.


سوف أكتب اليوم عن الجانب الاقتصادي ونترك الجانب السياسي لجزء ثان في الغد باذن الله.. مقارنة بين كيفية إتخاذ القرارت في المشروعات القومية بين مصر والولايات المتحدة يكشف لنا الكثير من أسباب الفشل.

نتذكر جميعًا برنامج الرئيس الأمريكي "جو بايدن" مع انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الذي كان يعتمد على خطتين رئيستين هما "تطوير البنية التحتية، ومشروع أشباه الموصلات".. الخطتان هما مشروعات قومية.

نبدأ بمشروع أشباه الموصلات، استطاع بايدن تمرير مشروع أشباه الموصلات بقيمة 52 مليار دولار بعد جدل ومناقشة حادة في البرلمان ثم اتفاق سياسي بين الحزبين.. منذ أسابيع افتتح بايدن مشروع شركة "انتل" في ولاية أوهايو بقيمة 20 مليار دولار، كما دعم منذ أيام خطة شركة IBM بإنشاء مصنع بنفس القيمة أيضا، ودعم بجانبها تحويل منطقة "وادي هدسون" في مدينة نيويورك كمركز للحوسبة الكمومية، وهي الحوسبة الأكثر تقدماً والأسرع على الإطلاق في العالم. أما المشروع الثاني المتعلق بالبنية التحتية فما زال يعاني لعدم اتفاق الحزبين على جدواه الاقتصادية وينتظران الانتخابات النصفية لمناقشته من جديد.

في العالم العربي المشروعات القومية ليست قومية وربما لا تفيد كثيرا من قطاعات الشعب، وفي الغالب المشروعات القومية هي أحلام فردية، وفي كثير من الأحيان تنفذ بقرارات منفردة. لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف اتخذ قرار القطار الكهربائي بقيمة تتجاوز 20 دولارًا؟.

تنفيذ توسعة قناة السويس في سنة بدلًا عن ثلاث سنوات كان قرارًا  منفردًا. في السعودية مشروع "نيوم" المثير للجدل كان قرارًا فرديًا، وغالبًا تكون مبينة على دراسة ترضي الرأي العام الداخلي لكنها لا ترضي دراسات الجدوي وتتعارض مع العلم أحيانًا.

في أكبر دول العالم وأقواها المشروعات القومية حدث يحتاج لشهور وربما سنوات لإقراره من الحكومة والبرلمان ودافعي الضرائب.. أما في العالم العربي الذي يبلغ إجمالي الناتج المحلي له مجتمعًا أقل من الناتج المحلي لولاية كاليفورنيا، فإن اتخاذ القرار لا يحتاج سوى لكلمة، والكلمة تصبح قرارًا، والقرار يؤدي لأزمة في ظل غياب البرلمان والرقابة بل ودراسات الجدوى أحيانًا.

في النهاية "القرار" يحدد مصير أمم ويكتب تاريخًا.. وبيننا وبين العالم المتقدم قرون في صناعة "القرار" ودراسته ثم اتخاذه وتحمل نتائجه من بعد.