سر "الإقليم الصومالي".. وعلاقته بالصراع في أثيوبيا

ميليشيات إقليم تيغراي
ميليشيات إقليم تيغراي

ما زالت تطورات الصراع في إثيوبيا تلقي بظلالها على الدولة الأكبر في منطقة القرن الإفريقي، ولا تزال مواقف الولايات والأقاليم الأخرى غير واضحة، رغم تقديرات الخبراء أن إقليم أورومو لن ينزلق للصراع في الوقت الحالي، وكذلك إقليم بني شنقول قمز، وخاصة بعد تأكيد إثيوبيا مواصلة العمليات العسكرية ضد قادة إقليم تيغراي شمال البلاد، على الرغم من وجود تحفظات لدى كليهما على الحكومة الفيدرالية ومشاكل مع إقليم تيغراي نفسه، مما ينذرنذر باشتعال حرب أهلية تنتهي بتفتت البلاد لولايات مستقلة.


كما أن لدى إقليم أوغادين، الذي تسكنه قبائل تمتد جذورها إلى الصومال، نزاعات مع تيغراي حيث كانت جبهة تحرير شعب تيغراي تسيطر على إثيوبيا طيلة ثلاثة عقود ماضية، وجاء رئيس الوزراء الحالي، أبي أحمد، ليبعدهم عن السلطة تدريجياً منذ بلوغه منصب رئاسة الوزراء في 2018.

مذابح وجرائم حرب

كما كشف أن ميليشيات إقليم تيغراي ارتكبت مجازر كبيرة بحق سكان أوغادين، كما اقتحم عناصرها العاصمة الصومالية مقديشيو عام 2007 وارتكبوا مذابح أخرى وجرائم حرب، ولذلك فور تولي أبي السلطة أبعدهم عن الحكم، وأعاد السلطة كاملة لسكان الإقليم حيث رحب قادة الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين بانتخاب مصطفى محمد عمر رئيسا للإقليم في العام 2018 ومن وقتها يعيش سكان الإقليم في هدوء وسلام، وهو ما يجعلهم يقفون مع رئيس الوزراء الإثيوبي في مواجهته مع تيغراي.

من إقليم تيغراي في إثيوبيا (أرشيفية - فرانس برس)

ى ذلك، أكد أن إقليم تيغراي رفض كافة مبادرات الصلح السابقة في أوغادين والتي تدخلت الجامعة العربية أكثر من مرة لإبرامها من أجل إعادة الهدوء والسلام والاستقرار وتدخل الأمين العام للجامعة وقتها عمرو موسى أكثر من مرة لتوقيع اتفاق سلام، لكنه كان يصطدم برفض قادة تيغراي، مضيفاً أن الإقليم لديه نزاعات سابقة مع أريتريا وكل دول القرن الإفريقي، وهو ما قد يجعل كل هذه الدول مؤيدة لموقف أبي أحمد في معركته مع الإقليم.

حرب أهلية

لكن السؤال هل يتطور الأمر لحرب أهلية قد تشارك فيها الأقاليم الأخرى مع الحكومة الفيدرالية ضد تيغراي خاصة إذا استبعدنا إقليم أورمو وبني شنقول قمز اللذين لديهما مشاكل مع الحكومة وتيغراي معا؟

من تيغراي شمال إثيوبيا (رويترز)

من تيغراي شمال إثيوبيا (رويترز)

يوضح السفير الصومالي أن على دول العالم أن تتفهم الموقف جيدا في إثيوبيا، وتتدخل في الوقت المناسب لمنع اندلاع حرب أهلية وتحاول لجم إقليم تيغراي، الذي قد يتسبب بالفعل في اشتعال حرب مدمرة في منطقة تعد من أهم مناطق العالم استراتيجيا واقتصاديا.

 

حرب «كسر العظم» بين أديس أبابا ومكيلي بلا نهاية قريبة

 

يوم 2 نوفمبر، شنت القوات الإثيوبية الاتحادية مدعومة بقوات إقليم الأمهرا هجوماً على قوات التيغراي مستخدمة الطيران والمدفعية، فشن التيغراي هجوماً مضاداً على منطقة عبد الرافع التابعة لإقليم الأمهرا قرب الحدود السودانية، ظانين أنها «نقطة ضعيفة» لكن قوات الأمهرا تصدت لهم، فهدد التيغراي بالرد بصواريخ أرض - أرض، يبلغ مداها 300 ألف كيلومتر بحوزة قواتهم.
أبو إدريس يعتقد أن الجيش الإثيوبي لن يستطيع إلحاق الهزيمة بقوات التيغراي في منطقتهم الوعرة. ذلك أنه بجانب القوة الكبيرة التي يملكونها، والتي تبلغ 250 ألف مقاتل مدعومة بميليشيا التيغراي وقدامى المحاربين، تملك قواتهم خبرة وتمرساً كبيرين في القتال والحرب. وفي المقابل، لا تملك القوات الاتحادية معرفة كافية بتضاريس جغرافيا المنطقة، وبالتالي «يمكن للجيش الإثيوبي تنفيذ ضربات جوية، لكنه لن يستطيع فعل شيء على الأرض». أيضاً يوضح الخبير أن السودان وإريتريا بشكل خاص سيتأثران بالنزاع المسلح في إقليم تيغراي «إذ يمكن للتيغراي مهاجمة العاصمة الإريترية أسمرا، وفقاً لبيانهم بإعلان الحرب. ويسعى التيغراي الآن إلى تحييد الجيش الإريتري وشعب إريتريا. إذ قالوا إنهم يستهدفون الحزب الحاكم في إريتريا (أي الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا) بقيادة آسياس أفورقي، وإذا حاول آسياس التدخل لصالح حليفه آبي أحمد فقد يتجه التيغراي لضرب إريتريا».
الخبير في شؤون القرن الأفريقي يحذر من تأثيرات أمنية للنزاع على السودان أيضاً، قائلاً: «المناطق الحدودية مضطربة أصلاً، وتنتشر فيها العصابات والميليشيات – على وجه الخصوص ميليشيا الشفتة المتفلتة – وتمارس فيها تجارة السلاح وتهريب البشر والاتجار في البشر والمخدرات... وبالتالي، قد يؤدي النزاع لتدفقات كبيرة من اللاجئين تتجه كلها نحو السودان».
أبو إدريس يعتبر ما أسماه بـ«مغامرة آبي أحمد» بمثابة انتحار سياسي للرجل، فـ«الخيارات تضيق عليه، وبرفضه وساطة الاتحاد الأفريقي ومجموعة دول إيغاد، يكون آبي أحمد قد فقد فرصة تسوية النزاع، بما يتيح له الاستمرار في الانتخابات وخلق تحالفات جديدة». ويتابع أن موقف آبي أحمد ضعيف، حتى بين قوميته الأورومو بسبب اعتقاله رموزها، وأشهرهم جوهر محمد، وممارسة عنف شديد عليهم من قبل السلطة المركزية. مستطرداً: «لم يترك آبي أحمد لنفسه خيارات غير الحرب، رغم خطورتها على مستقبله السياسي، وربما حياته... بل وضع مستقبل إثيوبيا نفسه على المحك»

 

سد النهضة

أخيراً، يستبعد أبو إدريس أن تؤثر الحرب على «سد النهضة» وذلك لبعده عن منطقة النزاع بنحو 650 كيلومتراً، إضافة إلى أنه ليس مشروع آبي أحمد، بل خطط له رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي الذي يعتبره التيغراي رمزاً كبيراً لهم. ويضيف: «لكن آبي أحمد سيتشدد أكثر في موضوع سد النهضة، وسيعمل على إكماله، ليكون مشروعه الذي يسعى لتوحيد الإثيوبيين خلفه، في حين لن يضرب التيغراي سد النهضة لأنه ليس مشروع آبي أحمد، بل مشروع إثيوبي قومي»، من ناحية أخرى، يُخشى من أن يؤدي النزاع في إقليم تيغراي إلى تجدد الصراع بين الأمهرا وتيغراي على السيادة على إثيوبيا، فالأمهرا يرون فيه فرصة تاريخية لاستعادة سلطتهم التي فقدوها منذ انتهى عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي، بينما يرى فيه التيغراي الفرصة لفرض منطقهم ونفوذهم بالقوة.

 

 
بانوراما قوميات إثيوبيا «متحف الشعوب»
تتعايش أعداد كبيرة من القوميات والقبائل والإثنيات، والعقائد الدينية والثقافات، منذ التاريخ القديم في إثيوبيا، المنطقة المعروفة تاريخياً باسم «الحبشة». وهي دولة غير ساحلية «مغلقة»، يحدها من الغرب السودان وجنوب السودان، ومن الشمال جيبوتي وإريتريا، ومن الشرق الصومال، ومن الجنوب كينيا.
يعد شعب الأورومو أكبر القوميات عدداً في جمهورية إثيوبيا الفيدرالية، وتقارب أو تزيد أعدادهم عن 40 مليوناً، ويشكلون ما نسبته 39 في المائة من سكان إثيوبيا. والأورومو ينتسبون إلى مجموعة الشعوب «الكوشية»، ويقطنون إقليم أوروميا (وسط إثيوبيا) وعلى قمة الهضبة الإثيوبية. وبعد إطاحة حكم الديكتاتور منغستو هيلا مريام، حُكم الإقليم ذاتياً، وله عاصمته نازريت، واسمها القديم «أداما»، وتحده أقاليم العفر والأمهرا وبني شنقول والحدود الكينية من الجنوب، وإقليم صوماليا، وتقع وسطه العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
أما شعب الأمهرا فيقطن شمال إثيوبيا، وتقدر نسبته من السكان بنحو 25 في المائة، ومنه حكام الإمبراطورية الإثيوبية التاريخية، ومن أبرز قادتهم في العصر الحديث الإمبراطور هيلاسيلاسي (هايلي سيلاسي)، وسلفه الإمبراطور مينيليك، والديكتاتور الشهير منغستو هيلا مريام. وتهيمن قومية الأمهرا على البلاد ثقافياً وسياسياً، أما لغة الأمهرا فهي واحدة من اللغات السامية، وهي اللغة الرسمية في جمهورية إثيوبيا الفيدرالية.
شعب تيغراي لا يشكل نسبة كبيرة من مجموع سكان إثيوبيا، إذ لا تزيد نسبته عن 6.1 في المائة. ويعيش التيغراي في شمال البلاد قرب الحدود مع إريتريا، ومع هذا ظلت هذه القومية تحكم إثيوبيا منذ انتصار الثورة الإثيوبية وإسقاط نظام «الدرغ» برئاسة منغستو، ومآل الرئاسة لملس زيناوي في 1991. برغم تولي رئاسة الوزراء لقادة من قوميات أخرى، إلى جانب السلطة السياسية، فإن نسبة غالبة من الجيش الإثيوبي أفراداً وضباطاً ينتمون إلى التيغراي، ولعبت «الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي» وزعيمها زيناوي دوراً محورياً في إسقاط نظام منغستو، وقلبت المشهد السياسي، وانتقلت قيادة البلاد من الأمهرا إلى التيغراي.
إقليم أوغادين، في الشرق، معقل المجموعة المعروفة بالقومية الصومالية. ويقدر عددها بنحو 6.2 في المائة من سكان الإقليم الذي ضمته إثيوبيا إليها في 1954. هؤلاء ينتمون إلى الأعراق الصومالية، وأهمهم قبيلة الأوغادين، وهي فروع قبيلة الدارود الصومالية، وقبيلة الدناكل، وبعض الأعراق العربية القادمة عبر البحر الأحمر عبر الصومال.
أما في منطقة «الأمم الجنوبية» فتسكن العشرات من الشعوب والقبائل، أشهرها قبيلة السيداما (أو السيدامو) الحامية، وولايتا الأفريقية (وهي قبيلة رئيس الوزراء الأسبق هيلا مريام ديسالين)، إلى جانب قبائل أخرى صغيره مثل الغامو والمرسي والباسكيتو والغوفا. ويعد هذا الإقليم أكبر مصدر للبن الإثيوبي الشهير، ويبلغ عدد سكانه نحو 14 مليون نسمة.
وأخيراً، في غرب إثيوبيا يقع إقليم بني شنقول – قمز. وبنو شنقول هم أكبر قبائل الإقليم، لذا تسمى باسمها، وهؤلاء خليط من قبائل سودانية، تتكلّم اللهجات السودانية المشتقة من اللغة العربية، ولبعضها لهجاتها المحلية مثل لغة البرتا، ويقع في إقليمهم «سد النهضة». والاسم مشتق من اسم جبل مقدس في الإقليم، وتبلغ أعدادهم حسب إحصاء أجرى 2007 نحو 700 ألف، وتسكنه قبال البرتا والقمز والأمهرا والأورومو والشيناشا والماو، والإقليم ذو أغلبية مسلمة.
حقيقة الأمر أن إثيوبيا تمثّل «متحفاً» للشعوب والثقافات والعادات والتقاليد. وتختلف هذه العادات والتقاليد بين كل إقليم وآخر، بل بين مجموعة عرقية وأخرى، لكنها جميعاً تخضع للاتحاد الفيدرالي الإثيوبي، ويعطي الدستور الفيدرالي هذه الشعوب حق تقرير المصير، والانفصال وتكوين دولة مستقلة. ولقد مارست قومية التيغراي هذا الحق، فخرجت عن طوع الحكومة الاتحادية، ما أدى للحرب التي تدور حالياً في شمال إثيوبيا، بقيادة رئيس الإقليم دبرصيون جبرا ميكائيل وجيش الإقليم، ضد الجيش الاتحادي بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد، ويخوضان هناك معركة «كسر عظم» لا يعرف أحد كيف تنتهي أو من ينتصر فيها.