بقلم د. يوسف أبراهيم: يا وابور قولي

إنهم لا يزالون في مناصبهم، يتربحون، يعلنون حجم الخسائر دون ان يهتز لهم جفن، وكأن تحقيق الخسائر إنجاز يقدمونه للرئيس، يعلن أن السكة الحديد تدر دخلاً 2 مليار جنية، بينما تتكلف 5 مليار جنية، لتصبح الخسائر 3 مليار جنية تتحملها الدولة، ولكن السؤال هل شاهد وزير النقل القطبان الحديدية الملقاة على جانبي المحطات؟ قطبان ليس لها صاحب، إلا الصدأ يأكل منها وينموا ليمثل التجسيد الحي لإهدار المال العام.
إن النشأة الأولى للسكة الحديد في مصر كانت في عهد الخديوي عباس الأول لتكون مصر ثاني دولة بعد إنجلترا في مد خطوط السكك الحديد في منتصف القرن التاسع عشر بهدف نقل البضائع من السفن الراسية على البحر المتوسط في عربات بخطوط حديدية بدلاً من استخدام الجمال التي كانت تستهلك أوقاتا طويلة في توصيل تلك البضائع مما يؤدي إلى فساد كثير من المنتجات الزراعية، ومن بعدها امتدت خطوط السكك الحديدية شمالاً حتى فلسطين وجنوباً حتى السودان، لتحمل فوق القطبان ملايين الاطنان من المنتجات الزراعية والمعادن، ليردد المصريون مع موسيقار الاجيال (يا وابور قولي رايح علي فين) مبتهجين للانجاز الرائع.
أثناء المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ تم توقيع مذكرة تفاهم بشأن الاستثمار في خط سكة حديد نقل البضائع وكانت التصريحات الوردية حينها تؤكد أن نقل البضائع يحقق وفرا ماليا يدعم نقل الركاب ويساهم في توفير الوقود، وتقليل الازدحام على الطرق البرية التي تتكلف مبالغ باهظة لصيانتها نتيجة المرور الكثيف لسيارات نقل البضائع الثقيلة، علاوة على الاثر البيئي الجيد الذي ينجم عن تقليل حجم الملوثات والاهم أن ذلك سوف يؤثر على اسعار السلع وما يتبعه من تقليل كلفة النقل، لم نسمع بعدها إين مصير تلك المذكرة؟ هل كان لمافيا النقل الثقيل دور في تقليص استخدام السكة الحديدية لنقل البضائع؟
في الشرق تسابق الصين الزمن في تطوير القطارات حيث افتتحت السكك الحديدية الصينية في بكين أسرع خط قطار في العالم، فتم إنتاج قطار فائق السرعة يسير بسرعة 380 كيلومترًا في الساعة، وقطار آخر يسير بسرعة 500 كيلومترًا في الساعة في قيد التطوير، كان ذلك دافعاً لإعادة طريق الحرير البري بين الصين وأوروبا، قطار محمل بالبضائع ينتقل عبر 7 دول حتى يرسو في المملكة المتحدة، وفي طريق العودة يُحمل ببضائع من إنجلترا للصين، وهنا يأتي التصريح من الغرب على لسان وزير التجارة الدولية البريطاني ليؤكد الدور الرائع لطريق الحرير في تأكيد ثقة العالم في المنتجات البريطانية، نتابع تلك الاحداث المتسارعة وننبهر، ومع الانبهار تأتي غصة في القلب حين نسمع أن مصر (ثاني بلد في العالم في مد خطوط السكك الحديدية) تبحث عن دعم لشراء الجرارات، بل وتستورد العديد من قطع الغيار من الخارج، وما بين الانبهار والغصة أسئلة كثيرة، هل يوجد قطاع للبحث العلمي والتطوير للسكك الحديد؟ وإن كان موجود فماذا قدم؟ هل من المنطقي أن تمتلك السكك الحديدية تلك الأصول وآلاف الافدنة على جانبي امتداد خطوط السكك الحديدية، وتضع جل اهتمامها في الرغبة في رفع أسعار التذاكر حتى تستطيع الملاءمة بين التكاليف والإيرادات؟! والأهم لماذا لا نفكر في قطار أفريقيا لتسهيل نقل البضائع عبر القارة السمراء؟
كنت أتمنى ان يقدم الوزير أفكار تعتمد على الدراسة والبحث ودراسة الفرص والتحديات، أفكار من خارج صناديق الصدأ، كنت أتمنى أن يحدث الرئيس عن الإمكانيات، والموارد المتاحة لدية وكيفية تحقيق الاستفادة المثلي لتلك الإمكانيات والموارد، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه! اما مستخدمي القطار، فيجب أن تكون على استعداد في ظل عقم الأفكار لمزيد من ارتفاع الأسعار.